سورة الجاثية من سور القرآن الكريم المكيّة، نزلت على الرسول -عليه الصلاة والسلام- قبل الهجرة النبوية الشريفة، وسُمّيت بالجاثية لورود كلمة الجاثية في بدايتها، وتعني كلمة الجاثية: الباركين على الركب، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة الجاثية.
فوائد من سورة الجاثية
تصور سورة الجاثية جانباً من استقبال المشركين للدعوة الإسلامية، وطريقتهم في مواجهة حججها وآياتها، وتعنتهم في مواجهة حقائقها وقضاياها، واتباعهم للهوى اتباعا ًكاملاً في غير ما تحرج من حق واضح، أو برهان قاطع. كذلك تصور كيف كان القرآن يعالج قلوبهم الجامحة الشاردة مع الهوى، المغلقة دون الهدى، وهو يواجهها بآيات الله القاطعة العميقة التأثير والدلالة، ويذكرهم عذابه، ويصور لهم ثوابه، ويقرر لهم سننه، ويعرفهم بنواميسه الماضية في هذا الوجود.
تناولت السورة العقيدة الإسلامية، وأفاضت في الحديث عنها، والتوسع في تحقيقها؛ فتكلمت عن الإيمان، والوحدانية، والرسالة المحمدية، والقرآن، والبعث، والجزاء.
هذا ما تضمنته السورة من فوائد من حيث الجملة، أما حيث التفصيل، فقد تضمنت السورة العديد من الدروس التي تتمثل في:
- ابتدأت السورة التحدي بإعجاز القرآن، وأن القرآن تنزيل من الله العزيز الحكيم، فهو كتاب عظيم معجز، جاء بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
- إقامة الأدلة على ربوبيته سبحانه وعظم سلطانه، وإثبات انفراده تعالى بالإلهية بدلائل ما في السماوات والأرض من آثار خلقه وقدرته وما فيها من نعم، يحق على الناس شكرها لا كفرها.
- تعليم للرسول صلى الله عليه وسلم أن يرشد المؤمنين إلى أن يغفروا للذين لا يؤمنون بالجزاء الرباني إيذاءاتهم؛ ففضائل أخلاق المؤمن، ومنها المغفرة جزء من الدعوة المجدية المؤثرة في جذب الكافرين إلى الإيمان والإسلام، وأن يبين لهم ثواب الله العظيم، الذي أعده للدعاة الصابرين، الذين يغفرون ولا يحقدون، ويتجاوزون عن إساءات من أساء إليهم ولا يثأرون.
- بيان أن الله عز وجل آتى بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة، وأنعم عليهم نعماً كثيرة؛ ليحملوا رسالة الله للناس، لكنهم لم يكونوا صالحين لحمل الرسالة الربانية، فاصطفى سبحانه رسوله محمداً، وجعل أمته هي الأمة المختارة لحمل خاتمة رسالات الله للعالمين. وفي هذا تحذير ضمني للأمة المحمدية أن تفعل مثلما فعل بنو إسرائيل من قبل.
- من فوائد سورة الجاثية وعيد الذين كذبوا على الله والتزموا الآثام بالإصرار على الكفر والإعراض عن النظر في آيات القرآن والاستهزاء بها.
- التنديد على المشركين جراء اتخاذهم آلهة وفق أهوائهم، وجحودهم البعث، وتهديدهم بالخسران يوم البعث، ووصف أهوال ذلك، وما أعد فيه من العذاب للمشركين ومن رحمة للمؤمنين.
- تضمنت السورة تحذيراً شديداً من اتباع الهوى والضلال على علم؛ إذ إن هذا الاتباع يختم على السمع والقلب، ويُغشي النظر؛ فلا يكون لصاحبه هداية، ويندفع في ضلاله وطغيانه، فينكر البعث والجزاء.
- وصفت السورة الذين يُعرضون عن آيات الله بالاستكبار والإعراض عن الاتعاظ والاعتبار؛ خلوداً إلى الدنيا، وغروراً بها، وكفراً بالله الذي خلقهم، وأحياهم، ثم يميتهم، ويجمعهم إلى يوم القيامة لا ريب فيه.
- تشتمل السورة على وصف بعض أحوال يوم الجزاء؛ حيث تُدعى كل أمة إلى كتابها؛ لتلقى جزاءها؛ {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته} (( الجاثية:30 )) {وأما الذين كفروا} فيقال لهم: {أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين} (( الجاثية:31 )) فاليوم جزاؤهم جهنم، لا يخرجون منها، ولا هم يستعتبون.
- تشبيه الذين أهملوا النظر في آيات الله مع تبيانها، وخالفوا على رسولهم صلى الله عليه وسلم فيما فيه صلاحهم بحال بني إسرائيل في اختلافهم في كتابهم، بعد أن جاءهم العلم، وبعد أن اتبعوه، فما الظن بمن خالف آيات الله من أول وهلة؟ تحذيراً للعباد من أن يقعوا فيما وقع فيه بنو إسرائيل من تسليط الأمم عليهم، وذلك تحذير بليغ.
- تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم بأن شأن شرعه مع قومه كشأن شريعة موسى، لا تسلم من مخالف، وأن ذلك لا يقدح فيها، ولا في الذي جاء بها، وأن لا يعبأ بالمعاندين ولا بكثرتهم؛ إذ لا وزن لهم عند الله.
- تنتهي آيات السورة بإثبات الحمد والكبرياء لله رب السماوات والأرض العزيز الحكيم.
فوائد
لكل سورة من سور القرآن الكريم أسرار وخصائص فريدة تميزها وتثبت في كل آية من آياتها الإعجاز اللغوي والبياني الذي يحمله كتاب الله، والذي حار في أمره كبار اللغويين وكانوا وما زالوا يبحثون ويجدون دقائق لغوية تبهر كل من يعرفها كل يوم، وفي سورة الجاثية أيضا مواضع بيانية عدة؛ لذا سيتم الوقوف فيما يأتي مع جانب من الفوائد اللغوية في سورة الجاثية: في قوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم: {وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها}، وفي سورة البقرة قوله -تعالى-: {وما أنزل الله من السماء من ماء}، ما المقصود بالرزق فيها؟
يُلاحظ أنّ المراد بكلمة “الرزق” في هاتين الآيتين الكريمتين هو: الماء؛ لأنّه سببه وأصله وبه تنبت الأرزاق وتنمو، أي أنّه تم استخدام تسميةٍ للسبب باسم المسبّب، وتمّ تخصيص لفظ “الرزق” هنا لتقدّم قوله -تعالى-: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ} لحاجته هو لا لحاجة الرّزق، وفي قوله -تعالى-: {وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ}، وفي سورة الشورى: {وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ}، فإنّ المراد في آية سورة الجاثية هو الحديث عن استمرار نعمه وقدرته -سبحانه- على النّاس قومًا بعد قومٍ، أمّا في آية سورة الشّورى فالمراد هو ابتداءً من خلقه للدّوابّ وبثّها في الأرض.
وفي قوله -تعالى-: {نَمُوْتُ وَنَحْيَا} فإنّ هناك ثلاثة أقوالٍ مختلفةٍ قيلت في المقصود بهذه الآية الكريمة وسيتمّ ذكرها كلها كما يأتي:
- القول الأوّل: مفاده أنّ في هذه الآية تقديمٌ وتأخير؛ أَي أنّ الأصل هو: نحيا ونموت.
- القول الثّاني: فهو يحيا بعضٌ ويموت بعض.
- القول الثّالث: فقيل فيه، إنّ هذا الكلام يعود لمن حكم بالتّناسخ.
اقرأ أيضًا:
المصادر: