يعظم فضل سورة الكهف وذلك بسبب معالجتها لقضية توحيد الله ودعوة البشر إلى الدعوة إلى الإيمان بالآخرة وبيان أحداثها ومواقف القيامة مع التأكيد على وجوب الإيمان بدعوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وبيان صدقها، ويهتم الكثير من المسلمين بمعرفة معاني آيات سورة الكهف، وبخاصة معنى آية قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي مع الإحاطة بما ترشد إليه أواخر السورة من فوائد جليلة.
معنى آية قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي
إن معنى آية قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي أي قُل لهم مخبرًا عن عظمة الباري، وسعة صفاته، وأنها لا يحيط العباد بشيء منها: {لَوْ كَانَ الْبَحْرُ} أي: هذه الأبحر الموجودة في العالم {مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} أي: وأشجار الدنيا من أولها إلى آخرها، من أشجار البلدان والبراري، والبحار، أقلام، {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} وتكسرت الأقلام {قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} وهذا شيء عظيم، لا يحيط به أحد.
وقوله – سبحانه – : {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} زيادة في المبالغة وفي التأكيد لما قبله من شمول علم الله – تعالى – لكل شيء، وعدم تناهيه، أي : وبعد نفاد ماء البحر السابق، لو جئنا بماء بحرٍ آخر مثله فى السعة والغزارة، وكتبنا به كلمات الله – تعالى – لنفد – أيضًا – ماء البحر الثاني دون أن تنفد كلمات ربي.
تصور الآية الكريمة شمول علم الله – تعالى – لكل شيء، وعدم تناهي كلماته، تصويرًا بديعًا، يقرب إلى العقل البشري بصورة محسوسة كمال علم الله – تعالى – وعدم تناهيه.
وقد قال الآلوسي: وقوله: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}: هذا كلام من جهته – تعالى شأنه – غير داخل في الكلام الملقن، جيء به لتحقيق مضمونه، وتصديق مدلوله على أتم وجه. والواو لعطف الجملة على نظيرتها المستأنفة المقابلة لها المحذوفة لدلالة ما ذكر عليها دلالة واضحة أي: لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته – تعالى – لو لم نجيء بمثله مددًا، ولو جئنا بمثله مددًا- لنفد أيضًا -.
وقال بعض العلماء: وهذا من باب تقريب المعنى إلى الأذهان؛ لأن هذه الأشياء مخلوقة، وجميع المخلوقات منقضية منتهية، وأما كلام الله – تعالى – فهو من جملة صفاته، وصفاته غير مخلوقة ولا لها حد ولا منتهى، فأي سعة وعظمة تصورتها القلوب، فالله – تعالى – فوق ذلك، وهكذا سائر صفات الله – سبحانه – كعلمه وحكمته وقدرته ورحمته.
وشبيه هذه الآية قوله – تعالى – في الآية السابعة والعشرين من سورة لقمان: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
اقرأ أيضا: معنى قوله تعالى زيتونة لا شرقية ولا غربية
فوائد من أواخر سورة الكهف
- توضيح جزاء الكافرين يوم القيامة وإحباط أعمالهم: ذكر الله – تعالى – في أواخر سورة الكهف جزاء الكافرين يوم القيامة، وإحباطه لأعمالهم، فقال -تعالى-: {قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالًا* الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا}، وقد قال بعض المفسّرون: إن الأخسرين هم القسيسون والرهبان، وقيل: هم اليهود والنصارى، وقيل: الخوارج، وقيل: من يتّبع هواه، وقيل: هم من يمنّون عند فعلهم للمعروف.
- ذكر جزاء المؤمنين يوم القيامة: ذكر الله – تعالى – أن جزاء بعض المؤمنين يوم القيامة هو جنة الفردوس، وهي أفضل الجنان، وأعلاها وأحسنها، ولا يجدون عنها تحولًا، ولا يكون لهم منزلًا إلا هي، و ذلك في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً}، كما أن جنهم كانت للكافرين نُزلًا، فالجنة للمؤمنين نُزلًا، بشرط: الإيمان مع العمل الصالح؛ ويكون ذلك من خلال صلاح الإيمان في القلب مع عمل الجوارح، وإخلاص ذلك لله – تعالى -، وأن يكون موافقًا لشرعه، وما كان غير ذلك فهو مردود.
- عجز الخلق عن إدراك سعة علم الله وقدرته: وورد ذلك في قوله -تعالى-: {قُل لَو كانَ البَحرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبّي لَنَفِدَ البَحرُ قَبلَ أَن تَنفَدَ كَلِماتُ رَبّي وَلَو جِئنا بِمِثلِهِ مَدَدًا}، وفي الآية إخبارٌ من الله – تعالى – لنبيه محمد -عليه الصلاة والسلام- بأن البحر لو كان حبرًا يُكتب به كلمات الله، لنفد البحر وتكسّرت الأقلام مع بقاء كلمات الله، حتى وإن جاء الناس بزيادة على هذه البحار أو الأقلام، ويدل ذلك على سعة علم الله، وعظمة القرآن وشأنه.
- بيان بشرية النبي: قال الله – تعالى -: {قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم يوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلـهُكُم إِلهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} حيث إن الإنسان الذي يرجو لقاء ربه عليه القيام بالعبادة خالصة لله – تعالى – بعيدًا عن الشرك والرياء، وفي هذه الآية بيانٌ ودليل على بشرية النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-،وما يُميّزه عن غيره هو أنه يوحى إليه من الله.
- شرط القبول عند الله هو الإيمان والعمل الصالح الخالص لله وحده: فلا بُد له من الإيمان حتى يلقى الله على ذلك، مع القيام بالعبادات بإخلاص من غير رياءٍ أو شرك، ففي الآية بيانٌ من الله على أن الطريق الوحيد الموصل إليه سبحانه هو التوحيد الذي هو محور الإسلام، وأن العمل بإخلاص هو طريق النجاة في الآخرة.
اقرأ أيضا: سورة الكهف مكية أم مدنية