سورة الزمر واحدةٌ من السور المكية بكاملها عند جمهور العلماء، حيث نزلت على الرسول الكريم قبل الهجرة النبوية في السنة الخامسة من البعثة قبل سورة غافر وبعد سورة سبأ وتُعدّ السورة التاسعة والخمسين في ترتيب النزول، والسورة التاسعة والثلاثين في ترتيب سور المصحف العثماني، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة الزمر.
فوائد من سورة الزمر
تكاد سورة الزمر تكون مقصورة على علاج قضية التوحيد. وهي تطوف بالقلب البشري في جولات متعاقبة، وتوقع على أوتاره إيقاعات متلاحقة، وتهزه هزًّا عميقاً متواصلاً؛ لتطبع فيه حقيقة التوحيد، وتمكنها، وتنفي عنه كل شبهة، وكل ظل يشوب هذه الحقيقة.
وبالإضافة إلى إبرازها حقيقة التوحيد، فإن ظل الآخرة يجلل هذه السورة من أولها إلى آخرها، وسياقها يُطوّف بالقلب البشري في كل شوط من أشواطها القصيرة، ويعيش به في ظلال العالم الآخر معظم الوقت.
ويمكن رصد فوائد هذه السورة بشيء من التفصيل وفق التالي:
- التنويه بشأن القرآن تنويهاً تكرر في ستة مواضع من هذه السورة؛ لأن القرآن جامع لمقاصدها، ومقاصدها كثيرة، تحوم حول إثبات تفرد الله تعالى بالإلهية، وإبطال الشرك فيها، وإبطال تعلللات المشركين؛ لإشراكهم وأكاذيبهم، ونفي ضَرْب من ضروب الإشراك، وهو زعمهم أن لله ولداً.
- الاستدلال على وحدانية الله في الإلهية بدلائل تفرده بإيجاد العوالم العلوية والسفلية، وبتدبير نظامها، وما تحتوي عليه مما لا ينكر المشركون انفراده به.
- الإشارة إلى الخلق العجيب في أطوار تكون الإنسان والحيوان، والاستدلال عليهم بدليل من فعلهم، وهو التجاؤهم إلى الله عند ما يصيبهم الضر.
- بيان أن دين التوحيد هو الذي جاءت به الرسل من قبل. والتحذير من أن يحل بالمشركين ما حل بأهل الشرك من الأمم الماضية.
- إعلام المشركين بأنهم وشركاءهم لا يُعبأ بهم عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالله غني عن عبادتهم، ورسوله لا يخشاهم، ولا يخاف أصنامهم؛ لأن الله كفاه إياهم جميعاً.
- من فوائد سورة الزمر الدلالة على أنه سبحانه صادق الوعد، وأنه غالب لكل شيء، فلا يعجل؛ لأنه لا يفوته شيء، ويضع الأشياء في أوفق محالها.
- في سورة المزمر دعاء المشركين للإقلاع عن الإسراف على أنفسهم، ودعاء المؤمنين للثبات على التقوى ومفارقة دار الكفر، وذلك بعد تمثيل حال المؤمنين وحال المشركين في الحياتين: الحياة الدنيا، والحياة الآخرة.
- تخلل السورة وعيد ووعد، وأمثال، وترهيب وترغيب، ووعظ، وإيماء بقوله: {قل هل يستوي الذين يعلمون} إلى أن شأن المؤمنين أنهم أهل علم، وأن المشركين أهل جهالة؛ وذلك تنويه برفعة العلم، ومذمة الجهل.
- دعوة الناس إلى التدبر فيما يُلقى إليهم من القرآن، الذي هو أحسن الحديث. وتنبيههم على كفرانهم شكر النعمة. والمقابلة بين حالهم وبين حال المؤمنين المخلصين لله.
- تضمنت السورة لمسات من واقع حياة البشر، وسبر أغوار نفوسهم، {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله}. وقوله تعالى {فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم}.
- إثبات البعث والجزاء؛ لتجزى كل نفس بما كسبت، وتمثيل البعث بإحياء الأرض بعد موتها، وضرب لهم مثله بالنوم والإفاقة بعده، وأنه يوم الفصل بين المؤمنين والمشركين.
- من فوائد سورة الزمر بيان أنه سبحانه أنزل كلاً من المحشورين داره المعدة له، بعد الإعذار في الإنذار، والحكم بينهم بما استحقه أعمالهم؛ عدلاً منه سبحانه بأهل النار، وفضلاً على المتقين الأبرار.
- صورت السورة بعضاً من مشاهد القيامة، وما فيها من فزع، {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} بالإضافة إلى مشاهد أُخر فيها إنابة وخشوع {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين}.
- خُتمت السورة بصورة من صور يوم الحساب للفصل بين العباد؛ حيث الملائكة محيطون حول عرش الرحمن، يسبحون بحمده، ويحمدونه على قضائه وعدله بين العباد.
فوائد
نظرًا لكون سورة الزمر من السور الطويلة نسبيًّا سيتم الحديث عمّا جاء من فوائد لغوية بيانية في سورة الزمر في بعض آياتها وهي قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا}، وقوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}.
السؤال هنا عن الفرق بين وصف دخول الكفار إلى النار ودخول المؤمنين إلى الجنة والفرق بينهما حرف واحد غيّر معنى الآيتين وهو حرف “الواو”، ففي وصف دخول الكفار قال تعالى: “حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها” وفي دخول المؤمنين الجنة قال: “حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها”.
يُلاحظ أنّ الفارق بين الآيتين هو أن جهنم هي كالسجن أبوابها مقفلة لا تفتح إلا لداخلٍ أو خارج فالأصل أن تكون الأبواب مغلقة ولا تفتح إلا لإدخال العصاة إليها، وفي هذا الوصف تهويل ومفاجأة للكفار الذي يساقون ثم فجأة وهم لا يدرون أين يذهبون تفتح أبوب النار فيُفاجؤوا ويصابوا بالهلع، أمّا في حال المؤمنين فالجنة أبوابها مفتوحة على الدوام وأهلها يتنقلون فيها من مكان لآخر في يسر وسرور وهم في طريقهم إليها يرونها من بعيد فيسعدون ويسرّون بالجزاء والنعيم الذي ينتظرهم.
ويرى أهل التفسير البياني أن جواب الشرط “إذا جاؤوها” عندما ذكر جهنّم هو: “فتحت أبوابها”، أما في حال الجنة فلا يوجد جواب للشرط “والواو” كانت واو عطفٍ على “فتحت” فهو لم يذكر جوابًا للشرط لأنه يضيق على المرء ذكر النعمة التي سيجدها في الجنة فكل ما يقال في اللغة العربية يضيق بوصف ما في الجنة، والجواب يكون في الجنة نفسها يوم القيامة، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: