قال الله تعالى في سورة الأنفال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، حيث يبيّن الله تعالى لعباده المؤمنين كيفيّة آداب اللّقاء، ومواجهة الأعداء بكلّ إقدام وشجاعة، ويكثر البحث عن معنى آية ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وتفسيرات العلماء لها إضافةً إلى إعرابها مفردات وجملًا.
معنى آية ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
إنّ معنى آية ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم أي يا أيّها المؤمنون! كونوا دائمًا على طاعة اللهَ وطاعة رَسولَه، بامتثالِ أوامْرِهما، واجتنابِ نَواهْيِهما، وابتعدوا كلّ البعد عن كلّ أمر يسبّب الخلاف والخصام والفرقة فيما بينكم، فتَضعُفوا، وتهِنوا، وتجبُنوا عن مواجهة وقتالِ عَدُوِّكم، حيث يقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.
أمّا معنى قوله: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، أي: وتضعفُ قُواكم، وتخور عَزائِمُكم، فلا يكُتبُ لكم النّصر بسببِ تَنازُعِكم واختلافكم، قوله: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، أي: واصبِروا عند لقائكم لعَدُوِّكم؛ إنَّ اللهَ يكافئ الصَّابرين، بنصرِه وتأييدِه.
وورد عن القرطبيّ في تفسيره في تفسير الآية، تعالى {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ} أنّ هذا استمرار في وصيّة الله تعالى للمسلمين، وتنبيههم لئلّا يقعوا فيما وقعوا فيه من قبل، كاختلافهم في أمر بدر وتنازعهم، قوله: {فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، أي: فيصيبكم الفشل، وتذهب هيبتكم وقوتكم وتخسروا نصركم.
وقال قتادة وابن زيد: إنّه لم يتحقّق نصر قطّ إلا بإرسال ريح من قبل الله فتضرب وجوه الكفار فتثنيهم عن مواجهتهم للمسلمين، ومنه قوله، صلّى الله عليه وسلّم: “نُصِرْتُ بالصَّبَا، وأُهْلِكَتْ عَادٌ بالدَّبُورِ”، قال الحكم: وتذهب ريحكم، المراد بها: الصَّبا، إذ بها نُصر الرّسول محمّد –صلّى الله عليه وسلّم- وأمته.
وقال مجاهد: وقد ذهبت ريح أصحاب النّبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم- عندما نازعوه في غزوة أحد، قوله تعالى: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، أي: يأمر الله المؤمنين بالصّبر عند ملاقاتهم لأعدائهم، وهو أمر محمود في كل الأمكنة والأزمنة وخصوصًا عند مواجهة الأعداء، حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}.
وجاء عن الطّبريّ في تأويل قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، يُذكّر الله تعالى المؤمنين بالطاعة له ولرسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم في الأوامر والنوّاهي، وحسن الانقياد لهما، وعدم مخالفتهما في شيء.
وقوله: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا}، أي: ولا تختلفوا، فتنبت الفرقة، ويظهر الخصام فيما بينكم، وتختلف قلوبكم، قوله: {فَتَفْشَلُوا}،: فيصيبكم الضّعف والوهن والجبن، قوله: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، وهذا مثل يقال للرّجل إذا كان مقبلّا عليه ما يحبّه ويسرّ به “الرّيح مقبلة عليه”، وإنّما يراد به في الآية، أي: وتذهب قوتكم وعزيمتكم، واندفاعكم، ونصركم، فينزل بكم الضّعف ويداخلكم الوهن والتّراخي.
وخُتمت الآية بقوله: {وَاصْبِرُوا}، أي: اصبروا مع نبيّكم -صلّى الله عليه وسلم- عند لقاء العدوّ، ولا تفرّوا من مواجهته وتتركوه، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، أي: اصبروا فإنّ الله معكم وناصركم.
اقرأ أيضا: معنى آية لا تتخذوا بطانة من دونكم
إعراب آية ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
يمكن القول بأنّ الإعراب هو تحديد هويّة كل كلمةٍ أو حرفٍ في الجملة العربيّة، وعندما يقال: “محلّ الكلمة من الإعراب”، أي: معناها المراد في الجملة والذي تشير إليه. وفيما يأتي إعراب قوله تعالى: {وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓاْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ} مفرداتٍ وجملًا:
- وأطيعوا: الواو: حرف عطف، أطيعوا: فعل أمر مبنيّ على حذف النّون، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعلًا.
- الله: لفظ الجلالة، مفعوله به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة.
- ورسوله: الواو: حرف عطف، رسوله: اسم معطوف على منصوب منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة، والهاء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ مضافًا إليه.
- ولا: الواو: حرف عطف، لا: ناهية جازمة.
- تنازعوا: فعل مضارع مجزوم بـ”لا” وعلامة جزمه حذف النّون، وقد حذفت منه إحدى التاءين “تتنازعوا”، والواو:ضميرمتّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل.
- فتفشلوا: الفاء: سببيّة، تفشلوا:فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبًا بعد الفاء وعلامة نصبه حذف النّون.
- وتذهب: الواو: حرف عطف، تذهب: فعل مضارع معطوف على “تفشلوا”، منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- ريحكم: ريح: فاعل مرفوع وعلامة رفع الضّمّة، كم: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ مضافًا إليه.
- والمصدر المؤوّل “أن تفشلوا”: والمصدر المؤوّل معطوف على مصدر متصيّد من الكلام السّابق في محلّ رفع، أي: لا يكن منكم تنازعٌ ففشلٌ.
- واصبروا: الواو: حرف عطف، اصبروا: فعل أمر مبنيّ على حذف النّون، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل.
- إنّ: حرف مشبّه بالفعل، ناسخ.
- الله: لفظ الجلالة، اسم إنّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- مع: ظرف منصوب وعلامة نصبه الفتحة، متعلّق بمحذوف خبر إنّ.
- الصّابرين: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الياء.
إعراب الجمل:
- {أطيعوا…}: معطوفة على جملة جواب الشرط اثبتوا لا محلّ لها من الإعراب.
- {لا تنازعوا…}: معطوفة على جملة أطيعوا اللّه لا محلّ لها من الإعراب.
- {تفشلوا}: صلة الموصول الحرفيّ لا محلّ لها من الإعراب.
- {تذهب ريحكم}: معطوفة على جملة تفشلوا لا محلّ لها من الإعراب.
- {اصبروا…}: معطوفة على جملة أطيعوا لا محلّ لها من الإعراب.
- {إنّ اللّه مع الصابرين}: تعليليّة لا محلّ لها من الإعراب.
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة الأنفال