سورة الأنفال من سور المثاني، ويبلغ عدد آياتها خمس وسبعين آية، وسورة الأنفال هي السورة الثامنة في ترتيب سور المصحف الشريف، وتتمحور موضوعات ومضامين سورة الأنفال حول الأخوة الإيمانية وسبل تحقيق النصر في الغزوات والمعارك التي يخوضها المسلمون ضد أعدائهم.
موضوعات ومضامين سورة الأنفال
سورة الأنفال من السور التي عنيت بجانب التشريع وبخاصة فيما يتعلق بالغزوات والجهاد في سبيل الله، فقد عالجت النواحي الحربية التي ظهرت عقب بعض الغزوات مثل جوانب الحرب والسلم وأحكام الأسر والغنائم، وتتمثل موضوعات ومضامين سورة الأنفال في:
الأنفال وصفات المؤمنين الصادقين
يظهر موضوع الأنفال وصفات المؤمنين الصادقين من بداية السورة حيث قوله تعالى : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ.. {1}) إلى قوله تعالى : (أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {4} حيث ابتدأت السورة بالحديث عن الأنفال وهي الغنائم التي سأل عنها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله حين سألوه لمن هي؟ وكيف تقسم؟ فبينت أن الحكم فيها لله ورسوله. فعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: “خرَجنا معَ النَّبيِّ فشَهِدْتُ معَهُ بدرًا، فالتَقى النَّاسُ، فَهَزمَ اللَّهُ العدوَّ، فانطَلقَت طائفةٌ في آثارِهِم يُطارِدون ويقتُلونَ، وأَكَبَّت طائفةٌ علَى المغنَم يحوزونَهُ ويجمعونَهُ، وأحدَقَت طائفةٌ برسولِ اللَّهِ لا يُصيبُ العدوُّ منهُ غِرَّةً، حتَّى إذا كانَ اللَّيلُ وفاءَ النَّاسُ بعضُهُم إلى بعضٍ قالَ الَّذينَ جمعوا الغَنائمَ نحنُ حَويناها وليس لأحَدٍ فيها نصيبٌ، وقالَ الَّذينَ خرَجوا في طَلَب العدُوِّ لستُم أحقَّ بِها منَّا نحنُ نَحَّينا منها العدوَّ وَهَزمناهُ، وقالَ الَّذينَ أحدَقوا برسولِ اللَّهِ خِفنا أن يصيبَ العدوُّ منهُ غرَّةً فاشتَغلنا به، فأنزلَ اللَّهُ: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. (( الراوي : عبادة بن الصامت | المحدث : الألباني | المصدر : فقه السيرة | الصفحة أو الرقم: 234 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
وصفت الآيات المؤمنين الصادقين بأنهم إذا ذُكر الله تعالى وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زاردتهم إيماناً إضافةً إلى أنهم يتوكلون على الله وهذا أمر يتعلق بالجانب القلبي، ومن المؤكد أن الإيمان يشتمل أيضاً على جانب عملي يتمثل في إقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله.
غزوة بدر
أعقبت الآيات الحديث عن الأنفال والمؤمنين الصادقين بذكر تفاصيل غزوة بدر وكيف نصر الله تعالى المؤمنين فيها على الكافرين، حيث بدأت السورة بالحديث عن إخراج المسلمين من مكة إلى المدينة المنورة ومن ثم إعدادهم نفسياً للمعركة، ومن ثم نزول الملائكة لمد المسلمين بالعون عند مواجهتهم للمشركين، واشتملت نهاية هذا القسم على تشبيه الكافرين بالأنعام السارحة لإعراضهم عن الدعوة وصدودهم عن الرسالة رغم ظهور الدلائل على صدقها، وذلك من قوله تعالى : (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ {5}) إلى قوله تعالى : ( وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ {23})، وتجدر الإشارة إلى أن سورة الأنفال تُسمى بسورة بدر نظرًا لأنها من السور التي تناولت غزوة بدر الكبرى بالتفصيل، كما يُطلق عليها بعض العلماء سورة الجهاد.
طاعة الله ورسوله ومنة الله على عباده المؤمنين
أمرت الآيات المؤمنين بالاستجابة لله والرسول صلى الله عليه وسلم، وقبول دعوته التي فيها حياة القلوب وبها السعادة الكاملة في الدنيا والآخرة، ويدخل في هذا الموضوع بعض التوجيهات الإلهية مثل التحذير من الفرار عند الدخول في المعارك مع تبشير المؤمنين بتأييد الله لهم ونصرهم وذلك من قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {24}) إلى قوله تعالى : ( وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ {40}).
توزيع غنائم بدر مع التذكير بما دار في المعركة
عادت الآيات لتتحدث عن الغنائم التي هي الموضوع الأبرز في السورة فذكرت حكم الغنائم وكيفية قسمتها، ثم سردت بقيّة الأحداث الهامة المتعلقة بغزوة بدر، وفي خضم ذلك بيّنت السورة شروط النصر وأسباب الهزيمة مع توضيح بعض النماذج لتعذيب الله للمشركين في الدنيا والآخرة، ثم انتهى هذا القسم من السورة بالدعوة إلى الإنفاق في سبيل الله، وذلك من قوله تعالى : (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.. {41}) إلى قوله تعالى : (…وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ {60}).
الدعوة إلى السلام وبيان أحكام الأسرى
بعدما أمرت الآيات بضرورة إعداد العدة لإرهاب أعداء الدين، أكدت بعد ذلك على أهمية السلم في المجتمعات ولكن بشرط أن يكون هذا السلم مقروناً بالعزة والكرامة، فعندها يمكن للمسلمين أن يجنحوا للسلم متى وجد السبيل إليه، لأن الحرب ضرورة اقتضتها الحياة لرد العدوان وحرية الأديان وتطهير الأرض من الظلم والطغيان، ثم تناولت الآيات حكم الأسرى، وختمت بوجوب مناصرة المؤمنين بعضهم لبعض بسبب الولاية الكاملة وأخوة الإيمان، وذلك من قوله تعالى : (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {61}) إلى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {75}).
ومن أهم ما أبرزته مضامين سورة الأنفال أنه ثمة فرق بين الصفات التي يجب على المؤمنين التحلي بها في بداية السورة من أجل تحقيق النصر، وهي صفات تتعلق بالقوانين الربانية التي تجعلهم يثقون بقدرة وإرادة الله تعالى، بينما الآية التي اختُتمت بها السورة فقد سلطت الضوء على الصفات المادية التي يجب على المسلمين التحلي بها مثل الهجرة والجهاد والترابط داخل المجتمع الإسلامي، وهي صفات تتناسب مع القوانين المادية التي أكدت عليها السورة في القسم الثاني لتحقيق النصر المنشود.
اقرأ أيضاً: فوائد غزوة بدر
النداءات الإلهية في سورة الأنفال
تضمنت سورة الأنفال ستة نداءات إلهية للمؤمنين:
- الحث على الثبات عند لقاء الكافرين في المعارك، والتحذير من الفرار يوم الزحف مع التأكيد على ضرورة النصر على الأعداء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ).
- طاعة الله ورسوله واتباع أوامره: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ).
- التأكيد على أن ما يدعو إليه الرسول هو الخير الذي ينشده كل مؤمن في الدنيا والآخرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
- التحذير من خيانة الله ورسوله والأمانات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).
- التنبيه إلى آثار التقوى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
- توضيح شروط النصر والفلاح بالجمع بين الثبات واستحضار عظمة الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ).
اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة البقرة