إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أمر عباده المسلمين بقراءة القرآن الكريم وتدبره، حيث قال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}، ويهتم الكثيرون بالبحث عن معاني الآيات القرآنية، ومن بينها معنى آية تلفح وجوههم النار الواردة في سورة المؤمنون، وتفسيرات العلماء لها إضافةً إلى ما اشتملت عليها من مباحث لُغوية، وفوائد بالغة الأهمية.
معنى آية تلفح وجوههم النار
إنَّ معنى آية تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون أي أنَّّ النَّار تحرق وجوه الكفار إحراقًا شديدًا، كما أنَّها ستحرق شفاههم حتى تتقلص أسنانهم، حيث أنَّ الكالح هو الذي تقلصت شفتاه حتى بدت أسنانه.
وقد شبَّه العلماء الكافر الكالح من شدة النَّار والإحراق برأس الشاة المشوي في نارٍ شديدة الحرارة، ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ ابن عباس قال أنَّ الكالحون هنا هم العابسون، ولا بأس في هذا المقام من ذكر أقوال العلماء في تفسير هذه الآية الكريمة لمزيد الفائدة، وفيما يأتي ذلك:
- تفسير الألوسي: أنَّ لهب النار سيمسُّ وجوه الكافرين فيحرقها، حتى تصبح شفاههم متقلصة من أثر ذلك اللفح.
- تفسير ابن كثير: نقل ابن كثير في تفسيره عدة أقوالٍ للعلماء وجميعها تؤدي إلى المعنى ذاته، ألا وهو: أنَّ النار ستلفح وجوه الكافرين لفحة تسيل منها لحومهم على أعقابهم، وهذه النار ستؤدي إلى تشويه شفتا الكافر حيث ستُقلِّص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته.
- تفسير الطبري: يصف الإمام الطبري في كتابه أنِّ لهب النار ستسفع وجوه الكافرين فتحرقها، وسيكونون بها متقلصو الشفاة عن الأسنان بسبب هذا الإحراق.
- تفسير ابن عاشور: يصف ابن عاشور ذلك في كتابه التحرير والتنوير أنَّ حال الذين خسروا أنفسهم ستحرق وجوههم النار وتتقلص أسنانهم من أثر تقطِّب أعصاب الوجه عند شدة الألم.
اقرأ أيضا: معنى آية لا تجأروا اليوم
المباحث اللغوية في آية تلفح وجوههم النار
لا بدَّ عند الحديث عن تفسير آيةٍ من آيات القرآن الكريم وبيان معانيها أن يتمَّ التطرق إلى المباحث اللُغوية المتعلقة بهذه الآية من حيث بيان معاني مفرداتها وإعرابها وبيان أوجه البلاغة فيها، ويتمثل بيان معاني المفردات فيما يأتي:
- تلفح: تأتي كلمة يلفح هنا بمعنى أصابت وأحرقت، وإنَّ كلمة تلفح في اللغة العربية من الجذر لَفَحَ، وهو من حيث أقسام الكلمة يعدُّ فعلًا.
- وجوهمم: إنَّ الوجه في هذه الآية جاء بمعنى ما يواجًه من الرأس وفيه العينان والفم والأنف.
- النار: عنصر طبيعي فعَّال يمثله النور والحرارة المحرقة، كما أنَّها تُطلق على اللهب، بالإضافة إلى أنَّها تطلق على الحرارة المحرقة.
- كالحون: الكالح في اللغة العربية له عدَّة معاني، ومن هذه المعاني شديد العبوس ومنها الذي قصرت شفته عن أسنانه.
كما يحفظ علم النحو والإعراب القرآن الكريم من التحريف ويصونه عن الخطأ واللحن، ولذلك يجب بيان إعراب قول الله تعالى: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ}، وفيما يأتي ذلك:
- تلفحُ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- وجوهَهم: مفعول به مقدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- النار: فاعل مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
- تلفح وجوههم النار: جملة في محل نصب حال.
- وهم: الواو هنا حالية، هم ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
- فيها: متعلقان بكلمة كالحون.
- كالحون: خبر مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنَّه جمع مذكر سالم.
- هم فيها كالحون: جملة في محل نصب، معطوفة على جملة الحال.
وإنَّ في اختيار كلمة اللفح دون غيرها وفي تخصيص الوجه في اللفح والإحراق في قول الله تعالى في سورة المؤمنون: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ}، وجهٌ من وجوه البلاغة، وفيما يأتي بيان ذلك:
- إنَّ استخدام كلمة تلفح في بأسٌ أشد ومعاناة أكبر من كلمة تنفح بالرغم أنَّهما في نفس المعنى.
- أنّ الوجه أشرف عضوٍ من أعضاء الإنسان، وإنَّ اهتمام الإنسان في حفظ وجهه من الآفات أكبر من اهتمامه في ما تبقى من جسده.
- أنَّ بيان حالها فيه زجرٌ أكبر عن المعاصي المؤدية إلى النَّار، وهذا هو السرُّ في تقديم المفعول به على الفاعل، في قول الله تعالى: {وُجُوهَهُمُ النَّارُ}.
اقرأ أيضا: معنى آية وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها
فوائد من آية تلفح وجوههم النار
- إنَّ الكافر الذي لا يؤمن بوحدانية الله -عزَّ وجل- الذي أنعم وتفضل عليه ولم يُقِم شرعه يستحقُّ أن يُعذَّب بأشدِّ أنواع العذاب وأن يذوق أشدَّ أنواع الألم.
- معاناة الكافر يوم القيامة ستكون شديدة جدًا، حيث إنَّ أشرف أعضائه سيتم لفحه بالنار فإنَّ ذلك يقتضي دخول جميع جسده في العذاب.
- إنَّ المعاصي والآثام سببٌ في خسران النفس، فالأنثى التي تقوم بإغضاب الله -عزَّ وجلَّ- بإظهار زينتها -التي حرَّم الله عليها إظهارها- فإنَّها ستُعذَّب في موضع جمالها وتكون من الذين خسروا أنفسهم.
- لا بدَّ أحيانًا من استخدام الترهيب والتخويف في الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ؛ لِما في ذلك من أثرٍ في الزجر عن المعاصي والذنوب.
- الوجه أشرف عضوٍ من أعضاء جسم الإنسان، لذلك لا ينبغي للمسلم أن يقوم بإهانة أخيه المسلم أو إيذائه في وجهه.
اقرأ أيضا: معنى آية فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا