قال الله تعالى في سورة القصص {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}، وذلك في سياق الإشارة إلى النعم التي أنعمها الله على عباده وهم ينكرونها رغم كثرتها ووفرتها، ويهتم الكثير من المسلمين بالتعرف على معنى آية وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها وتفسيرات العلماء لها بالتفصيل مع استجلاء فوائد الآية الكريمة.
معنى آية وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها
إنّ معنى آية وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها أنّ هناك عدد كبير من القرى التي كفرت بنعم الله تعالى عليها وطغت وتجبَّرت بعد أن أنعم الله عليها بالرزق والخير العميم، فأهلكها الله جزاءً لها، وجاءت “كم أهلكنا” هنا للتكثير-، وفي هذه الآية رسالة لأهل مكة بعد أن كفروا بنعم الله تعالى.
وفي بعض التفاسير الأخرى يدلُّ معنى الآية على أنَّ الله يخاطب من توهَّم أنَّ الإيمان بالله سوف يوقعه في المخاطر والأهوال، فأخبره الله أن الخوف يكمنُ في تركَ الإيمان، وعارضَ أهل مكة هذا المثل الذي ضربه لهم، فكم من قريةٍ كان قد أنعم الله تعالى عليها بنعم كثيرة من رزقٍ وخيرات وأمن واطمئنان، فطغَت وعصت وأشرت.
ويقال في معنى بطرت أي بالأكل من رزق الله وعبادة الأصنام، فأهلكها الله تعالى بسبب عصيانها، فأصبحت خاوية على عروشها ومعظمها خراب إلا من بعض المسافرين وعابري السبيل ومن مرَّ بها في طريقه، وهذا قول الزجاج وابن عباس.
قال ابن عباس: “لم يسكنها إلا المسافر أو مار الطريق يوما أو ساعة وكنا نحن الوارثين أي لما خلفوا بعد هلاكهم”، فبعد هلاك أولئك العصاة وعودة القرى خواءً لا يسكنها أحد فورثها الله مالك كلِّ شيء وأصبحت كما كانت له تعالى لا يشغلها أحد من خلقه.
اقرأ أيضا: معنى آية إن الذي فرض عليك القرآن
المباحث اللغوية في آية وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها
من أجل الوصول إلى معنى الآية العام بشكل دقيق كان لا بدَّ للعلماء من دراسة آيات كتاب الله من مختلف الجوانب بما فيها معاني المفردات وإعراب الآيات، وبيان معاني المفردات في آية وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها، فيما يأتي:
- كم: هو اسم مبني على السكون في اللغة، ويكنَّى به عن كثرة العدد وفي مقام التعظيم والافتخار، ويستعمل أيضًا في التعجب السماعي، ويأتي تمييزها مفرد أو جمع مجرور وقد يحذف أيضًا.
- أهلكنا: من هلكَ يهلَك ويهلِك، هلاكًا وهلوكًا ومهلِكًا ومهلَكًا وهُلكًا وتهلكةً، والفاعل هالك والمفعول مهلوك، ومعنى هلك فلانٌ: فنى ومات، وأهلكه بمعنى أفناه وأنهى وجوده، وهلكت النفس: سقطت في نار جهنم، أهلكه في العمل: أفناه وأبلاه.
- قرية: جمعها كلمة قرى، والقرية كل مِصر جامع، أي المكان التي اتصلت فيه الأبنية واتُّخذَت مستقرًّا من قبل مجموعة من الناس، ويطلق على المدن وغيرها.
- بطرت: من بطِر يبطَر بطرًا، الفاعل بطِر والمفعول مبطور، بطر الرجل: إذا وقع في الكبرياء، بطر النعمة: استخفَّ بها وكفر بها وأنكرها، بطر الحق: أنكره ولم يقبله، بطر الشيءَ إذا كرهه دون أن يستحق ذلك.
- معيشتها: من عاش ويعيش، والعيش هو الحياة وما تقوم به الحياة من طعام وشراب ودخل، ومعنى عيش رحراح: عيش وحياة رغيدة.
أما بالنسبة إلى إعراب الآية الكريمة، فهو على النحو التالي:
- وكم: الواو استئنافية، كم: خبرية كناية عن العدد وهي اسم مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم.
- أهلكنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالضمير، ونا: ضمير متصل في محل رفع فاعل، جملة “أهلكنا” استئنافية لا محل لها من الإعراب.
- من: حرف جر.
- قرية: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخرة، والجار والمجرور تمييز كم.
- بطرت: فعل ماض مبني على الفتح لاتصاله بالتاء، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل، وجملة “بطرت” جملة فعلية في محل جر صفة قرية.
- معيشتها: مفعول به منصوب على تضمين بطرت خسرت، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
اقرأ أيضا: معنى قوله تعالى ظلت عليه عاكفا
فوائد آية وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها
- إنَّ الهداية بيد الله تعالى وحده، ولا سلطةَ لنبيٍّ ولا لملكٍ أن يهديَ من يحبُّ لأنَّ الله هو فقط الذي يهدي من يشاء.
- لا يجب على المسلمين أن يتذمروا من الإيمان حتَّى وإن تعرضوا من خلاله للمخاطر لأن ترك الإيمان هو المخيف وهو الذي يكلِّف الإنسان الوقوع في المخاطر في الدنيا وفي الآخرة.
- إنَّ نعم الله على عباده كثيرة جدًّا لا تعدُّ ولا تحصى، فقد خلقِ الإنسان بأحسن تقويم ورزقه الطعام والشراب وهيأ له المسكن والملبس، بالإضافة إلى نعمة الأمن والطمأنينة التي حباه إياها.
- لا يجب أن يغفل الإنسان عن كل تلك النعم التي أنعم الله تعالى عليه بها، بل يجب أن يقوم بشكر الله تعالى على جميع أحواله، ولن يستطيعَ أن يوفيه شكرَ نعمة واحدة من نعمه تعالى.
- من يكفر نعمَ الله تعالى وينكرها ويجحدها فإنَّ الله تعالى يهلكه مثلما أهلك الأمم السابقة، والتي أخذها أخذ عزيز مقتدر وأصبحت مساكنها خاوية على عروشها، فالأرض لله تعالى وحده يورثها من يشاء عباده.
اقرأ أيضا: معنى آية أمن يجيب المضطر إذا دعاه