اشتملت سورة لقمان على مجموعة من الوصايا التي قاله لقمان لابنه وهو يعظه، وهذه الوصايا جامعة لأمر الدنيا والآخرة، كما أنّه قد وضع له من خلال هذه الوصايا منهجًا للتعامل مع الناس وفقًا لما يقتضيه الإحسان والحكمة، حيث قال تعالى على لسان لقمان: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}، ويكثر البحث عن معنى آية لولا تصعر خدك للناس وفوائدها التربوية.
معنى آية ولا تصعر خدك للناس
إنّ معنى آية ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا أي لا تعرض بوجهك عن الإنسان الذي تخاطبه وتكلّمه استحقارًا له واستكبارًا عليه، وأصل الصعر هو مرض يصيب الإبل في العنق أو الرأس حتى تميل أعناقها عن رؤوسها، وهذا وجه تشبيه المتكبر الذي يلتفت عن الناس بالإبل المصابة بهذا الداء.
وقد جاء في تفسير السعدي لقوله تعالى: “ولا تصعّر خدك للناس”، أي: لا تميله وتعبس في وجوه الناس، على سبيل التكبّر والعظمة والزهو بالنفس، وقوله: “ولا تمش في الأرض مرحًا”، أي: لا تسير في الدنيا وأنت مظهر للبطر ومفتخرًا بنعم الله مع الإعجاب بالنفس ونسيان شكر الله تعالى.
وقد ذكر الطبري في تفسيره الأقوال المأثورة عن السلف في تفسير هذه الآية الكريمة، حيث نقل عن ابن عبّاس قوله في معنى “ولا تصعّر خدك للناس”، أي: لا تتكبر فتحتقر عباد الله وتعرض وتصد عنهم بوجهك عندما يكلمونك، كما نقل عن مجاهد أنّ معنى “لا تصعّر خدك للناس” أي: الإعراض بالوجه والصدود عن خلق الله.
وهناك أقوال أخرى لأهل العلم قريبة ممّا سبق وجميعها يدلّ على أنّ معنى الآية هو لوي الوجه والتجبّر والتكبّر، وقد قال الضحّاك أنّ المعنى لا تعرض عن الناس بل أقبل عليهم بوجهك وحسن خلقك، وقال آخرون أنّ لقمان نهى ابنه عن تصعير خدّه لمن يكون بينهما خصام وعداوة فيعرض عنه، وفي تفسيرٍ آخر ذكره الإمام الطبري أنّ المراد هو التشديق أو التشدّق، ومعنى “لا تمش في الأرض مرحًا”، أي: لا تمش مختالًا متباهيًا.
واختلف القرّاء في قراءة “تُصعّر” حيث قرأها بعض القرّاء الكوفيين والمدنيين بهذا الشكل على وزن “تُفعّل”، وقرأها بعض القرّاء المكيين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة والمدينة “تُصاعر” على وزن “تُفاعل”، وهما قراءتان قد قرأ بهما أئمة الإقراء وأيّهما قرأ الإنسان فهو مصيب.
اقرأ أيضا: تجربتي مع سورة لقمان
إعراب آية ولا تصعر خدك للناس
- ولا تصعّر: الواو حرف عطف، وتُصعّر فعل مضارع مجزوم بلا الناهية.
- خدًّك: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- للناس: جار ومجرور متعلقّان بالفعل تُصعّر.ولا تمشِ: فعل معطوف على “ولا تُصعّر” فإعرابهما واحد.
- في الأرض: جار ومجرور .
- مرحًا: هي صفة مفعول مطلق محذوف، كما جاء في كتاب إعراب القرآن وبيانه قول للزمخشري حول كلمة “مرحًا” حيث علّق قائلًا: “أراد ولا تمش تمرح مرحًا أو أوقع المصدر موقع الحال بمعنى مرِحٍا ويجوز أن يُراد لأجل المرح والأشر”، وقد بيّن المؤلف الأقوال في إعراب كلمة “مرحًا” وبيان موقعها وقال: مصدر وقع موقع الحال أو نعت لمصدر محذوف أي مشيًا مرحًا أو مفعول لأجله أي لا تمشِ لأجل المرح والأشر.
- جملة “لا تصعّر”: جملة معطوفة على جملة النداء ولا محلّ لها من الإعراب ومثلها جملة “لا تمشِ”.
اقرأ أيضا: معنى آية سماعون للكذب أكالون للسحت
فوائد آية ولا تصعر خدك للناس
حوت سورة لقمان على الكثير من الحكم والفوائد، ففي وصية لقمان لابنه بقوله: “ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحًا”، نهيٌ عن العبوس بوجوه الناس والتعاظم والتكبّر والبطر عليهم، وفيه نهيٌ عن التفاخر والاختيال على الخلق، فهذه الطباع والتصرفات تبعد الإنسان عن الله تعالى وتزرع البغض والكراهية في نفوس الناس للشخص المتكبّر والمختال.
ولأنّ الله هو المعطي للنعم جميعًا وهو القادر على أن يسلبها للعبد، يجب على الإنسان أن يشكر لله على نعمه لأنّ الله هو المنعم وهو الخالق ولا يجدر به أنّ هذه النعم الموجودة لديه قد استحقّها استحقاقًا وأنّها ستدوم فإن هذا من الغبن والغرور، كما أنّ الله تعالى لا يحبّ الاختيال والتكبّر فهما غير محمودان.
أمّا عن الفوائد التربوية والثمرات المستفادة من آية ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا، فهي كثيرة وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:
- وصية لقمان لابنه هذه قد جاءت بعد الوصايا التعبدية والإيمانية، فهذه الوصية تخصّ معاملة الناس وهو ما يُسمّى بفن المعاملة.
- استخدام كلمة “الصعر” والنهي عن تصعير الخد للناس هو منهج تربوي عظيم، فلقمان شبّه الذي يتكبّر على الناس بالإبل المصابة بداء الصعر وكأنّه يريد أن يبيّن لابنه أنّ هذا تصرّف حيواني لا يليق بالإنسان فعله، حيث نفّره من هذا الفعل بأسلوب أدبي رائع.
- التربية بالتشبيه هي أسلوب تربوي فعّال لأنّه يجمع بين مخاطبة النفس والقلب ويوجّه للخير وينهى عن الشر بطريقة ضمنية غير مباشرة، بعكس الأساليب الأخرى التي قد تثقل على النفس لأنّها مباشرة وعبارة عن أوامر موجهة بشكل جامد.
- الكبر والغرور هو داء نفسي واجتماعي يُصيب الإنسان فيجعله يتصرّف لما يُمليه عليه إعجابه بنفسه، فيزرع الحقد والكراهية في نفوس الآخرين له، بينما التواضع والبشاشة فتزرع المحبّة وتورث الأخوة والإخلاص.
- إنّ تفشّي الأمراض الاجتماعية من كِبرٍ وغرور وحسدٍ وطبقية هادم لهذه المجتمعات ومزعزع لأركانها، فكلّما كان الأفراد متحابين ومتعاونين كان لذلك تأثيرٌ واضح على سلامة المجتمع واستقراره.
اقرأ أيضا: معنى آية أنلزمكموها