إنّ الهدف من إنزال القرآن الكريم هو العمل بكلّ ما جاء به، والتّأدب بآدابه، والالتزام بشرائعه وأحكامه، لتكون أمّة القرآن العاملة به خير أمّة أخرجت للنّاس، ولا يتحقّق ذلك إلا بحسن تلاوته وتدبّر آياته وفهم محتواها بشكل واضح، وقلب واعٍ، وإدراك شامل، لمقاصدها وأحكامها، ويكون ذلك بفهم معاني الآيات؛ لذلك يجب معرفة معنى آية واتخذتموه وراءكم ظهريًا الواردة في سورة هود وما يتعلق بها من مباحث لُغوية.
معنى آية واتخذتموه وراءكم ظهريًا
وقال البغويّ في تفسيره “معالم التنزيل”، قوله تعالى: {قالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ}، أي: مكانة رهطي أخوف وأشد رهبة عندكم من الله، أي: إن تركتم قتلي لمكانة رهطي فالأولى أن تتركوا قتلي مخافة الله خشيته، وقوله: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا}، أَيْ: تركتم سلطان اللَّهِ وراء ظهوركم ونبذتموه ، قوله: {إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}، إن الله تعالى لا يخفى عليه شيء ممّا تحيكونه في سرائركم وعلانيتكم.
وأمّا في تفسير الطّبريّ في تأويل الآية، قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا}، قال أبو جعفر: قال شعيب لقومه: يا قوم، جعلتم قومكم أعزّ عليكم من الله، فاستصغرتم أمر ربّكم، وجعلتموه خلف ظهوركم، لا تعظِّمونه حقّ عظَمته، فلا تأتمرون لأمره ولا تنتهون لنهيه، ولا تخافون عذابه، وقوله: {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}، أي: إن ربّي بصير وعليم بأعمالكم، فلا يخفى عليه شيء ممّا تقومون به، وهو مجازٍ كلًا منكم على أعماله عاجلًا وآجلا.
اقرأ أيضا: معنى آية فتزل قدم بعد ثبوتها
المباحث اللغوية في آية واتخذتمون وراءكم ظهريًا
- أَرَهْطِي: رَهط: اسم، جمعه: أرْهاط أَرْهُطٌ، أراهط، و أراهيط، الرَّهْط: الجماعة من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة، أو ما دون العشرة، ورَهْطُ الرَّجُل: أهله، وقومُه وعشيرته الأقربون، نَحْنُ ذَوو رَهْطٍ: أي: مُجْتَمِعونَ.
- أَعَزُّ: اسم: مؤنثه: العُزَّى، الأَعَزُّ: ذو العزَّة والغلبة هُوَ مِنْ أعَزِّ أصْدِقَائِهِ: أغْلَى، هَذَا أعَزُّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي: أقْرَبُ، أنْفَسُ، أغْلَى.
- اتَّخَذْتُمُوهُ: اِتَّخَذَ: فعل، اتَّخذَ يتَّخذ، اتِّخاذًا، فهو مُتَّخِذ، واسم المفعول مُتَّخَذ، اِتَّخَذَهُ صَدِيقاً حَمِيماً: جَعَلَهُ، صَيَّرهُ وَهُوَ يَنْصِبُ مَفْعُولَيْنِ، ويُقال اِتَّخَذَ مَوْقِفاً مُعَارِضاً: اتَّخذه مثالاً: حذا حذوه وسار على نهجه، اتَّخذَهُ: أخذه.
- ظهريّاً: ظِهريّ: اسم: ظَهريّ :ما يجعله المرء وراء ظهره وينساه جعله ظِهْرِيًّا: جعله نَسْيًا مَنْسيًّا.
- مُحِيطٌ: أَحاطَ : فعل: أحاطَ بـ، يُحيط، أحِطْ، إحاطةً، فهو مُحيط، واسم المفعول مُحاط، أحاط القومُ بالبلد ونحوه: حاطُوا به؛ أحدقُوا به: أشرفتم على الهلاك أو مُنِعْتم من فعل الشَّيء، أحاط به علمًا: ألمّ به إلمامًا شاملاً، مُحاطٌ بالغموض: تكتنفُه الأسرار، مبهمًا غير واضح، الإحَاطَةُ بِالموْضُوع: الإِلْمامُ بِهِ، التَّمَكُّنُ مِنْهُ، العِلْمُ بِهِ.
بعد شرح مفردات آية {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا} يجب تفصيل إعراب قوله الله تعالى: {قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}، كالآتي:
- قالَ: فعل ماض مبني على الفتح الظّاهر، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو.
- يا قوم: يا: أداة نداء، قَوْمِ: منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة.
- أَرَهْطِي: الهمزة: حرف استفهام، رَهْطِي: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمّة المقدّرة على ما قبل الياء، والياء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ مضافًا إليه.
- أعزّ: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
- عليكم: على: حرف جرّ وكم: ضمير مبنيّ في محلّ جرّ بـ”على” متعلّقان بـ”أعزّ”.
- مِنَ اللهِ: من حرف جرّ، الله لفظ الجلالة اسم مجرور بـ”من” وعلامة جرّه الكسرة، متعلّقان بـ”أعزّ”.
- وَاتَّخَذْتُمُوهُ: الواو: حاليّة، اتّخذتم: فعل ماض مبنيّ على السّكون، والتّاء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل، والميم: علامة جمع الذّكور، والواو: زائدة، إشباع حركة الميم الهاء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعولًا به.
- وَراءَكُمْ: مفعول فيه ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة متعلّقان، بـ “اتّخذتم”، و”كم”: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ مضافًا إليه.
- ظهريًّا: مفعول به ثانٍ منصوب لفعل اتّخذتم وعلامة نصبه الفتحة.
- إنّ ربِّي: إنّ: حرف مشبّه بالفعل، ربّي: اسم إنّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء، والياء: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ مضافًا إليه.
- بِمَا: الباء حرف جرّ “ما” حرف مصدريّ.
- تَعْمَلُونَ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النّون في آخره، والواو: ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل.
- مُحِيطٌ: خبر إنّ مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة، والمصدر المؤوّل “ما تعملون” في محلّ جرّ بالباء متعلّقان بمحيط.
اقرأ أيضا: معنى آية هيهات هيهات لما توعدون