سورة هود من السّور المكيّة باستثناء بعض آياتها مدنيّة، ويبلغ عدد آياتها مائة وثلاث وعشرون آية، وترتيبها في المصحف الحادية عشر في الجزء الثاني عشر، وبدأت السّورة بالحديث عن آيات القرآن المحكمة، كما أنّها تحدّثت عن قصص الأنبياء وتعامل أقوامهم معهم القائم على الكذب، ويبحث الكثير من المسلمين عن معنى آية أنلزمكموها الواردة في السورة الكريمة.
معنى آية أنلزمكموها
لا بُدّ من التّعرّف على موضع الآية التي وردت فيها صيغة الاستفهام الإنكاري “أنلزمكموها” لمعرفة المراد من هذا الاستفهام ومقاصده، حيث يقول تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.
بدأت هذه الآية بفعلٍ ماضٍ يعود على نوح -عليه السّلام- عندما بدأ بدعوة قومه إلى الإسلام فجحدوه ولم يؤمنوا به، فمن المعلوم أنّ الشّريعة الإسلاميّة من الله تعالى، والأنبياء كافّة وظيفتهم فقط التبليغ والنّصح والدّعوة إلى الرّسالة العظيمة التي أمر الله بها.
يُخاطب نبي الله نوح قومه هنا ويدعوهم بالأسلوب الحسن، حيث يقول: يا قومي وأهلي أرأيتم إن كنتُ على معجزة ويقين جازم بالنّبوّة الصّداقة والقدوة الصّالحة التي تقتدي الأمّة بها من بعدي فكلّ هذا منحني إياه ربّي، ورزقني رحمته: أيْ النّبوة، حيث منّ عليّ بالهداية والإحسان، فأخفيتُ عليكم كلّ هذا وأنتم ابتداءً لا تريدون طريق الهداية والدّخول إلى الإسلام، بل وكذّبتم هذا الدّين الحنيف الذي لا يأتيه الباطل بيْن يديْه ومن خلفه.
ثمّ أخبر الله تعالى عن نوح في تتمّة الآية {أَنُلْزِمُكُمُوهَا}، أيْ كيف يمكنني أنا وأتباعي إلزامكم بأمر أنتم ترفضونه وتكذّبونه حتى وإن لم أخفِ عليكم النّبوّة التي منحني إيّاها الله.
وتعقيبًا على ذلك تبيّن أنّ معنى آية أنلزمكموها أنّ الاستفهام استنكاري يُفيد استحالة الإقبال على الشّيء، أيْ أنّ الأنبياء كانوا يحاولون مع قومهم اعتناق الدّين الإسلاميّ وكانوا يكذّبونه ويتّهمونه بالكذب والسّحر ونحوه، لذلك لا يستطيعون إلزام قومهم على اتّباعهم، فكانوا يكتفون فقط بالدّعاء لهم بالهداية.
كما أنّهم كانوا يُدركون أنّ الله تعالى هو من يتولّى قلوب عباده من حيث اتّباع طريق الهداية أو الضّلال، وعلى هذا المبدأ سار نوح -عليه السّلام- وأتباعه والأنبياء كافّة فلم يُلزموا أحد على الدّخول إلى الإسلام بلا قناعة منهم.
اقرأ أيضا: معنى قوله تعالى ضنكا
المباحث اللغوية في آية أنلزمكموها
إنّ بيان معاني المفردات مهم ليصبح شرح الآية أكثر فهمًا، فمن المعلوم أنّ كلّ لفظ من ألفاظ القرآن ربما يحتمل عدّة معاني، لذلك لا بُدّ من بيان معاني مفردات قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}، لدفع الإشكال:
- قوم: اسم مأخوذ من الفعل: قوّمَ، ومعناه: جماعة من النّاس تربطهم سلالة واحدة.
- بيّنة: اسم جمعه بينات، والمقصود به: الحجّة القويّة المبنيّة على الدليل والبرهان.
- رحمة: الشفقة والإحسان والرّقّة.
- فعمّيتُ: الكلام المجهول والغامض.
- أنلزمكموها: مأخوذ من الفعل ألزم، ومعناه: جعل الشيء واجب وضروري ولا مفارقة فيه.
- كارهون: مأخوذ من الفعل كَرِهَ، ومعناه: البغض والنّفور من الشيء وجعله قبيحًا لا تقبله النّفس.
كما يُعدّ إعراب الآيات من أهم المباحث اللُغوية التي تُساعد على الفهم الأدقّ لها، حيث يُعتبر الأساس في تحليل الآيات واستنباط الأحكام منها ومعرفة الأحداث المُصاحبة لها، وفيما يأتي سيتمّ الاقتصار على إعراب قوله تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا}:
- الهمزة: استفهاميّة وتفيد الاستنكار.
- نلزمُ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعة الضمّة الظّاهرة على آخره.
- كم: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به أوّل، والواو زائدة تفيد إشباع الحركة.
- ها: ضمير متّصل مبني في محل نصب مفعول به ثانٍ.
- الفاعل: ضمير مستتر تقديره نحن.
اقرأ أيضا: معنى آية وإذا بدلنا آية مكان آية
فوائد من آية أنلزمكموها
إنّ لكل آية من آيات القرآن الكريم لها حكمة في سبب نزولها، وتعود ثمرتها على الأمّة الإسلاميّة إن أحسن إدراكها وتدبّر مواضعها، ومن أبرز الفوائد التي يمكن استجلائها من آية أنلزمكموها ما يأتي:
- إنّ الله تعالى خلق الأنبياء ليكونوا قدوة للأمّة التّابعة لهم، فهم من أصدق الخلق في حمل الرّسالة، لذلك لا بُدّ من التّأسّي بهم وتطبيق ما جاؤوا به.
- إنّ الدّين الإسلامي هو الدّين الوحيد الذي أمر الله به ومع ذلك الأنبياء لم يلزموا أحد على اعتناق الإسلام فمن باب أولى عدم الإجبار من قِبل النّاس العوام.
- إنّ الدّين الإسلامي دين الرّحمة لذلك إجبار الغير على اعتناقه وهو كاره له يؤدّي به إلى كره أعظم.
- إنّ الآيات الكريمة الواردة في سورة هود ولا سيّما الآية التي هي محور الحديث تدلّ على صدق الرّسالة المحمديّة، وأنّ الدّين الإسلامي دين اليسر.
- تدلّ هذه الآية على أنّ الإسلام يُراعي أحوال النّاس، وأنّ الله هو وحده من يتولّى قلوب عباده.
- إنّ الرّحمة تُعمّى عن هؤلاء الذين يجحدون الدّين، ممّا يعنّي أنّ تصديق بما جاء في الشّريعة الإسلاميّة سبب رئيس لنيل الرّحمة من الله.
- لإنّ الآيات الكريمة تدل على تثبيت العقيدة الإسلاميّة من لدن نوح -عليه السّلام- إلى هذا الزّمان، ممّا يعني أنّ العقيدة ثابتة لا تغيير فيها أو تبديل، وهذا يزيد من ترسيخ العقيدة لدى الأمّة.
اقرأ أيضا: معنى آية فإنها لا تعمى الأبصار