من أعظم آيات الرجاء، والتي تُعد مظهرًا من مظاهر اللجوء لله تعالى، هي قول الله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}، ويتساءل الكثيرون عن معنى آية أمن يجيب المضطر إذا دعاه وما تُرشد إليه من فوائد وهدايات ينتفع بها المسلم في أمور دنياه وآخرته.
معنى آية أمن يجيب المضطر إذا دعاه
إن معنى آية أمن يجيب المضطر إذا دعاه الواردة في سورة الزمر هو: هل يجيب المضطرب الذي أقلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده؟ ومن يكشف السوء أي: البلاء والشر والنقمة إلا الله وحده؟ ومن يجعلكم خلفاء الأرض يمكنكم منها ويمد لكم بالرزق ويوصل إليكم نعمه وتكونون خلفاء من قبلكم كما أنه سيميتكم ويأتي بقوم بعدكم أإله مع الله يفعل هذه الأفعال؟
والحقيقة أنه لا أحد يفعل مع الله شيئًا من ذلك حتى بإقراركم أيها المشركون، ولهذا كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله مخلصين له الدين لعلمهم أنه وحده المقتدر على دفعه وإزالته، { قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} أي: قليل تذكركم وتدبركم للأمور التي إذا تذكرتموها ادَّكرتم ورجعتم إلى الهدى، ولكن الغفلة والإعراض شامل لكم فلذلك ما أرعويتم ولا اهتديتم.
يُنبه الله تعالى في الآية إلى أنه هو المدعو عند وجود الشدائد، وهو من يرجى عند النوازل، أي أنه هو الملجأ للمظطرين، وكاشف الضر عمن وقع به الأذى والضرر.
قال الإمام أحمد أنه رُوي عن رجل من بلهجيم قال: “يا رسول الله إلام تدعو قال أدعو إلى الله وحده الذي إن مسك ضرٌ فدعوته كشف عنك والذي إن ضللت بأرضٍ قفرٍ دعوته رد عليك والذي إن أصابتك سنةٌ فدعوته أنبت عليك قال قلت فأوصني قال لا تسبن أحدًا ولا تزهدن في المعروف ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسط إليه وجهك ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي وائتزر إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة وإن الله تبارك وتعالى لا يحب المخيلة”.
وذكر المفسرون في قوله تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه}، أن المضطر هو ذو الضرورة المجهود، وقيل أنه الذي لا حول له ولا قوة، وقيل هو الذي قطع العلائق عما دون الله، وقيل هو المفلس، وهو الذي إذا رفع يديه إلى الله داعيًا لم يكن له وسيلة من طاعةٍ قدمها، وقيل أن رجلًا جاء إلى مالك بن دينار فقال: “أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر; قال: إذا فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه”.
وقد تعهد تعالى بإجابة المضطر إذا دعاه، وأبلغ عباده بذلك، فالضرورة إلى الله واللجوء إليه لا يأتي إلا من إخلاصٍ من العبد وقطع القلب عن غير الله تعالى، والمضطر قد يكون مظلومًا، وقد حذر رسول الله من دعوة المظلوم، فليس بينها وبين الله حجاب، وهناك صورٌ عديدةٌ لدعوة المضطر.
اقرأ أيضا: معنى آية فإنها لا تعمى الأبصار
معاني المفردات في آية أمن يجيب المضطر إذا دعاه
- يجيب: أجاب سؤاله، أجاب على سؤاله، ورد عليه وأفاده عما سأل، أجاب دعوة الداعي: قضى، لبى الدعوة حتى لان وأجاب الدعوة.
- المضطر: وهي في الاية الكريمة اسم فاعل، ومضطر: فاعل من إضطر، ومعنى اضطره إليه: أي أحوجه وألجأه عند الاضطرار، وفي حالات الاضطرار: عند الضرورة القصوى ، أو في حالات الضرورة الشديدة، ومضطر: مكره، اضطره إلى الانسحاب أحوجه وألجأه إليه وأرغمه عليه، اضطر الشخص إلى الاعتراف: ألجئ إليه وأكره عليه، ومنها قول الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}.
- دعاه: ساقه، ودعاه للحضور عاجلاً: أي في أسرع وقتٍ ممكنٍ، دعاه إلى الأمر:ساقه إليه.
اقرأ أيضا: معنى آية قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي
فوائد آية أمن يجيب المضطر إذا دعاه
في الآية الكريمة عدة فوائد ينبغي أن لا يغفل عنها المسلم، ومنها ما يأتي:
- اليقين والإخلاص عند الدعاء لله تعالى، من أهم أسباب الاستجابة.
- للدعاء بركةٌ خص بها الله عباده، فالدعاء هو الصلة ما بين العبد وربه.
- كل ما يصيب الإنسان هو مما قدره الله عليه.
- الله تعالى واحدٌ لا إله غيره، ولا رب سواه.
- للمضطر دعوةٌ مستجابةٌ عند الله تعالى.
- الإنسان يعرف الله تعالى بالفطرة.
- ليس للمضطر من أحدٌ يدعوه سوى الله تعالى، وجاء التقييد في الآية {إذا دعاه}، وفي حال لم يدعوه فأمره إلى الله فقد يرفع عنه ما أصابه وقد لا يرفعه.
- خلفاء الله في الأرض هم من صلح من عباده.
- لا تصح الاستغاثة ولا السؤال لغير الله تعالى.
- كشف السوء، وإجابة المضطر، وجعل بعض من خصهم الله تعالى خلفاء في الأرض، هذا كله لا يملكه إلا الله تعالى.
- في الاية عدة دلائل على وجوب عبادة الله تعالى، منها أنه يجيب المضطر ويكشف السوء ويجعل الناس خلفاء لبعضهم.
اقرأ أيضا: معنى آية وعجلت إليك رب لترضى