تناولت سورة النور العديد من المواضيع وخصوصًا ما يتعلق بالأحكام والحدود، مثل حد الزنا وقذف المحصنات، وتحدثت عن حادثة الإفك، وشملت الحديث عن غض البصر وأحكام الحجاب والاستئذان وغير ذلك، ويبحث الكثير من المسلمين عن معاني آيات سورة النور، وخصوصًا معنى آية ليس على الأعمى حرج وما ترشد إليه من فوائد.
معنى آية ليس على الأعمى حرج
قال تعالى في سورة النور: {لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
ومعنى آية ليس على الأعمى حرج أنه ليس على أصحاب الأعذار مثل الفاقدين لحاسة البصر، ومن يعانون من العرج أو المرض أن يأكلوا من بيوت المسلمين، لأنَّهم غير قادرين على الاكتساب والعمل وكسب الرزق.
كما أنَّه لا حرج عليهم أو إثم في الأكل مع الأشخاص الأصحاء، وذلك لأنَّ أصحاب تلك الأعذار كانوا يشعرون بالحرج من الأكل مع الأصحاء، خوفًا من إيذائهم أو إيلامهم، فأنزل الله تعالى الآية لرفع الحرج عنهم.
وذهب آخرون إلى أنَّ المراد في معنى رفع الحرج عن أصحاب الأعذار من مرض أو عرج أو عمى، هو رفع الحرج عنهم في ترك الجهاد في سبيل الله تعالى، حيثُ نزلت في ابن أم مكتوم عندما وضع الله عنه واجب الجهاد وقد كان أعمى، وهو قول ضعيف لأنَّ الله عطف بقوله: أن تأكلوا، وهنا تنبيه إلى أنَّه رفع الحرج في هذا الشأن، وهو الأكل معهم، فقد كان القوم يمنعون أصحاب تلك الأعذار من الأكل معهم أو في تلك المنازل، فرفع الله عنهم ذلك وأزاله.
وقد رأوا أنَّ ذلك المنع كان لعدة أسباب منها أنهم: كانوا لا يأكلون مع الأعمى لأنه لا يستطيع إبصار الطعام ولا يأخذه، ولا مع الأعرج؛ لأنّه لا يستطيع الجلوس ومثلهما المريض، أو أنَّ الأصحاء كانوا يكرهون الأكل معهم، لما قد يحمله المريض من أمور تفسد الطعام، أو أن يكون المريض شرهًا يتعلق نظره بطعام غيره ونحو ذلك، فرفع الله ذلك الحظر عنهم.
وذهب الضحاك في تفسير ابن كثير -رحمه الله- إلى أنَّ العرب كانوا يتحرجون من الأكل مع أصحاب تلك الأعذار تقززًا وتقذرًا، وحتى لا يتفضلوا عليهم، فأنزل الله الآية إيذانًا بذلك، ورفعًا للحرج.
وعن مجاهد أنَّ الرجل كان يذهب بالأعمى أو بالأعرج أو بالمريض إلى بيت أخيه أو أبيه أو عمه أو عمته أو خاله وغير ذلك، فيشعر أولئك المعذورون بالحرج ويقولون: إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم، فرخَّص الله لهم ذلك.
قال السدي كان الرجل يدخل على بيت أبيه أو بيت أخيه أو ابنه، فتقدم له المرأة شيئًا من الطعام فلا يأكله لأن صاحب البيت غير موجود، فأحل الله ذلك، وأن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا أي يجوز أن يأكل الرجل وحده، وقد كانت العرب تأنف ذلك، كما امتنع بعض الناس عن الأكل عند بعض لأن الله منع أن يأكل الناس بينهم بالباطل فأنزل الله الآية رفعًا للحرج، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية بل الإنسان على نفسه بصيرة
معاني المفرادت في آية ليس على الأعمى حرج
- الأعمى: هو الشخص الذي لا يبصر بعينيه، والعمى: هو ذهاب البصر كله وانعدام الرؤية، عمِيَ ويعمى عمًى وهو أعمى، والجمع عُميٌ وعميان.
- الأعرج: من الفعل عرِج ويعرجُ عرجًا وعرجانًا، وهو أعرج وهي عرجاء، وجمعه عرُج، عرِج الشخص: أصيب بعطبٍ في رجله من خلقة جعلته يغمزُ بها، عرجت الشمس: مالت للغروب، والفاعل عارج وأعرج، عرجَ الرجلُ: أصابه شيء في رجله فصار يغمزُ كأنَّه به عرج وليس بخلقة.
- المريض: هو فاعل من مَرِضَ، ويُراد به من به مَرَضٌ أو نَقْصٌ أو انحراف
- حرج: وقعَ فلانٌ في موقف حرجٌ: في موقف عصب أو في مأزق، الحرج: هو الخوف من الإقدام على أمر حرِج، حرِجَ الصدرُ: ضاق، حرجَ الشيء إذا هابه، والحرج الخوف من عمل أمر ما أو الشعور بالمهابة من الإقدام عليه.
اقرأ أيضا: معنى آية لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى
فوائد آية ليس على الأعمى حرج
تتعدد الفوائد التي يمكن استجلائها من آية ليس على الأعمى حرج، ومن أبرز تلك الفوائد:
- رحمة الله تعالى بعباده المسلمين واسعةٌ جدًا وصورها كثيرة لا حصر لها، لذلك فإنَّه تعالى لا يكلِّف نفسًا إلا وسعها وطاقتها،
- طاعة الله واجبةٌ على المسلمين وأوامر الله لا رادَّ لها، ولكنَّه تعالى لا يؤاخذُ أهل الأعذار فيما لا يطيقونه، حيثُ يقول تعالى: {لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
- علم الله بالعباد تام فإنّه أعلم بالعباد من أنفسهم، لذلك فإنَّه يحرِّم عليهم ما يضرُّهم، ويبيح لهم ما ينفعهم ولا يؤاخذهم في غير ذلك.
- حكمة الله تقتضي أن يبيِّن في آياته المحكمات ما أنزله من أحكام وتعاليم على رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- في القرآن الكريم.
اقرأ أيضا: معني آية ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة