سورة المائدة هي سورة مليئة بالأحكام الشرعية والتأمل في آياتها والتبحّر في معانيها يورث العلم والفهم ويعطي الكثير من الفوائد والثمرات؛ ولذلك يبحث الكثيرون عن معني آية ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام.
معني آية ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة
اهتمّت سورة المائدة بتقرير العقيدة الصحيحة وبيّنت أنّ توحيد الله هو المنهج الوحيد المستقيم الذي ليس فيه انحراف أو ابتداع، كما ذمّت التمسّك بالعقائد الفاسدة اتباعًا لأمر الآباء والأجداد وفعل أفعالهم بدون بصيرة أو تفكير، ومن هذه المعتقدات ما كان يفعله أهل الجاهلية بالأنعام من إبلٍ وبقرٍ وشياه.
قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}، و معنى معني آية ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة أنّ الله تعالى لم يأذن ولم يُشرّع شيء من هذه البدع والجهالات التي كان يفعلها الكفار وأهل الجاهلية بالأنعام والحيوانات التي خُلقت لأجل الانتفاع بها.
وممّن شرح معاني البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ابن الجوزي في كتابه تبليس إبليس، حيث قال:
- البحيرة: هي الناقة التي تلد خمسة أبطن فإذا كان الخامس أنثى شقوا أذنها وُحرّمت على النساء.
- السائبة: هي التي كانوا يسيبونها من الأنعام فلا يركبونها ولا يحلبون لبنها.
- الوصيلة: هي الشاة التي تلد سبعة أبطن فإذا كان السابع ذكرًا أو أنثى فيقولون وصلت أخاها فلا تُذبح وينتفع بها الرجال دونًا عن النساء، وإذا ماتت أكلوا منها جميعًا.
- الحام: هو الفحل الذي يُنتج من ظهره عشرة أبطن فيقولون قد حمى ظهره فيُسيبونه للأصنام ولا يحملون عليه، ويعلّق ابن الجوزي على هذا بأنّهم ينسبون فعلهم هذا إلى أمر الله فيقولون أنّ الله تعالى أمرهم بهذا، وهم بذلك مفترون وكاذبون كما أخبر الله تعالى عنهم.
كما قال الطبري أنّ الله تعالى يقول في هذه الآية أنّه سبحانه ما بحر بحيرة ولا سيّب سائبة ولا وصل وصيلة ولا حمى حاميًا، وأنّ هذا من فعل الكفار وتحريمهم على أنفسهم افتراءً على الله تعالى، كما ذكر أنّ البحيرة هي الشاة التي تُقطع آذانها ويُمنع ذبحها وتُحرّم، والسائبة هي المسيّبة المخلّاة، حيث كانوا يعمدون إلى بعض مواشيهم فيحرّمون الانتفاع بها على أنفسهم.
أمّا الوصيلة عند الطبري فهي التي تكون مع ذكر في بطنٍ واحد من الأنعام فيُقال: “قد وصلت أخاها”، أي: منعت عنه الذبح فتُسمّى وصيلة، والحام هو الفحل من الأنعام يُحمى ظهره من الركوب والحمل عليه لأنّه قد ولد له عدد معين من اللأولاد.
وقد أورد الطبري الكثير من الآثار التي تشرح وتفسّر معنى البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، حيث إنّ أهل العلم اختلفوا في صفات هذه المسمّيات على أقوالٍ عدّة، ومن هذه الأقوال ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال: البحيرة هي الناقة، حيث كان الرجل إذا ولدت له ناقته خمسة أبطن فيعمد إلى الخامسة إذا كانت أنثى فيقطع آذانها، ولا يجزّ لها وبرًا ولا يذوق لها لبنًا، والسائبة هي ما يُسيّبه الرجل من ماله، والوصيلة هي الشاة التي تلد سبعة أبطن، فيعمد صاحبها إلى البطن السابع فإن كان ذكرًا ذُبح وإن كانت أنثى تُركت، وإن كانا توأم ذكر وأنثى فيُتركان ويُقال: “وصلت أخاها”، والحام هو الفحل الذي يلد له عشرًا فيُقال: “حام فاتركوه”.
والتفسيرات كثيرة جدًا وقد نُقلت بتمامها في تفسير الطبري حيث قال البعض أنّ من هذه الأنعام ما يُترك للضيوف، ومنها ما يُطلق ولا يمنعه أحد من مرعى أو ماء، وقد كان أهل الجاهلية يُحرّمون بعض هذه الأنعام على الإناث ويجعلونها خالصةً للذكور فإن كان ميتة فيشركون الإناث في أكلها.
وقد أورد ابن حجر عند شرحه لحديث ابن المسيّب الكثير من أقوال أهل العلم في هذه المسألة وقال أنّ البعض قالوا بأنّهم كانوا يحلبون هذه الأنعام ولكنّهم لا يشربون لبنها، حيث كانت من عادات الجاهلية أنّه إذا قدم الرجل من سفر أو شفاه الله من مرض أن يُقدّم هذه الأنعام بهذه الطريقة من باب النذر والتقرّب إلى الأصنام والآلهة التي كانوا يظنّون أنّها تملك الضر والنفع.
اقرأ أيضا: معنى آية حتى يلج الجمل في سم الخياط
فوائد من آية ما جعل اللّه من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام
- فعل الجاهلية في ترك المواشي تسرح ووهبها للآلهة شبيه بفعل أهل الإسلام في ترك العبيد لوجه الله تعالى، ولكنّ الأسلوب والغاية جعلت من الفعل الأول محرّمًا ومن الثاني مرغوبًا به.
- المرأة في الجاهلية كانت تعدّ دون الرجل حيث إنّها لا تُشاركه إلّا في أكل الميتة من الأنواع المذكورة في الآية.
- الخطاب القرآني في غاية الإقناع حيث بيّن الله تعالى للكفّار أنّ حجتهم واهية في كون هذه الأنعام محرّمة على الإناث دون الذكور.
- ذكر القرآن الكريم هذه الأصناف بدون تحديد للمعنى الذي اختلف فيه أهل التأويل على أقوالٍ متقاربة، فالغاية ليست معرفة ما هي البحيرة على وجه الدقة وإنّما الابتعاد عن الأفعال المشابهة لأفعال الجاهلية والتزام الدليل في هذه الأمور.
- الهوى والعناد والتمسك بالموروثات البالية قد يجر الإنسان إلى المهالك كما فعل أهل الجاهلية من التمسك بالأصنام والتقرّب لها اتباعًا لمنهج آبائهم.
- الله تعالى لا يرضى لعباده إلّا كل طيب ويجنّبهم كل خبيث ولكن اتباع خطوات الشيطان يُصوّر الخبيث على أنّه طيّب وحسن.
اقرأ أيضا: معنى آية لا يحب الله الجهر بالسوء