جاء في سورة الحجر {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ* لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ* وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ* كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ* الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ* فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ويتساءل الكثير من المسلمين عن معنى آية الذين جعلوا القرآن عضين وهي الآية رقم 91 من السورة الكريمة.
معنى آية الذين جعلوا القرآن عضين
يدلُّ معنى المقتسمين في آيات سورة الحجر على اليهود والنصارى كما رآى بعض المفسرين، وقد كان اقتسامهم في القرآن الكريم، فقد اقتسموا القرآن وعضوه، أي آمنوا ببعضه وكفروا ببعض ما جاء فيه، وعن سعيد بن جبير وعن ابن عباس -رضي الله عنه- أنَّه قال: المقتسمون هم أهل الكتاب، جزَّأوه وجعلوه أعضاءً أعضاءً، فآمنوا ببعض القرآن وكفروا ببعضه.
وقد اختلف المفسرون في معنى آية الذين جعلوا القرآن عضين فقال البعض: جعلوا القرآن فرقًا مفترقة، وهو قول ابن عباس وغيره، وذهب بعضهم إلى أنَّ المشركون عضُّوا القرآن وجعلوه أجزاءً مجزئةً، فقال بعضهم: ساحر، وقال آخرون: شاعر، وقال غيرهم: مجنون، وذلك هو العضون، وقيل جعلوا كتابهم أعضاءً مثل أعضاء الجزور وقطعوه زبرًا، وكل حزبٍ بما لديهم فرحون، وهو مثل قوله: فرقوا دينهم وكانوا شيعًا، ومثله رآى أبو جعفر حيث قال: هكذا قال كاهن وإنما هو كهانة، وزعم بعضهم أنه أساطير الأولين.
وفي تفسير البغوي أنَّهم جزأوه وجعلوه أعضاءً فأمنوا ببعضه وكفروا بالبعض، وقال مجاهد: إنهم اليهود والنصارى قسموا كتبهم وفرقوها وبددوها، وقيل: المقتسمون هم قوم اقتسموا القرآن فرآى بعضهم أنه سحر ورآى بعض أنه شعر، وقال البعض: كذب، وقال آخرون: هو أساطير الأولين، أو ما قالوه في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل: شاعر أو ساحر أو كاهن.
وذهب مقاتل إلى أنَّهم كانوا 16 رجلًا أرسلهم الوليد بن المغيرة أيام موسم الحج فاقتسموا أطراف مكة، وصاروا وقعدوا يقولون للحُجَّاج: لا تغتروا بذلك الرجل الذي يدعي النبوة منَّا، ومنهم من يقول مجنون أو كاهن أو شاعر وغير ذلك، والوليد قاعد على باب المسجد حكمًا، فإذا سأله أحد عنهم قال: صدق أولئك أي المقتسمون، وعضين جمع عضو، أي جعلوا القرآن أعضاء مفرقة.
ورويَ عن قتادة أنَّه قال: عضين من عضهوه وبهتوه، وكذبوا به، وذهب غيره إلى أنَّ العضه هو السحر في كلام.قريش، وكانت الساحرة تسمى عاضهة.
ورآى السدِّي معنى الآية أنَّهم قسموا القرآن واستهزأوا به، وذلك بعد أن ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- النمل والبعوض والذباب والعنكبوت في القرآن، فكان هناك خمسة أشخاص، قال أحدهم: أنا صاحب البعوض، وقال آخر: أنا صاحب النمل وغيره، وهم الأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والعاصي بن وائل والحارث بن قيس والوليد بن المغيرة، وذهب غيرُه إلى أنَّ هؤلاء هم المستهزئون مثل: عكرمة والربيع بن أنس، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
معاني المفردات في آية الذين جعلوا القرآن عضين
لا بدَّ من دراسة بعض الأمور في كتاب الله من بينها معاني المفردات من أجل الإحاطة بمعنى الآية عمومًا، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر معاني المفردات في آية: الذين جعلوا القرآن عضين، بشكل مفصَّل:
- جعلوا: من الفعل جعل ويجعل جعلًا، الفاعل جاعل والمفعول مجعول، جعل الله الشيء: أنشأه وخلقه وسوَّاه، ومنه قوله: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ}، جعله: فعله وصنعه وصيَّره، جعله يدفع الثمن: أجبره على ذلك وهي بمعنى انتقم منه وعامله بقسوة، جعله: صيره، جعل الدفتر على الطاولة: وضعه عليها.
- القرآن: هو كلام الله تعالى المُعجر الذي أنزله على رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- عن طريق الوحي، والمنقول بالتواتر، وقرأه يقرَؤه، قرءًا وقراءةً وقرآنًا، فتأتي كلمة القرآن بمعنى القراءة نفسها، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}، وعن أبي إسحاق النحوي أنَّ كلام الله تعالى يسمَّى قرآنًا وكتابًا وفرقانًا، وقرآن بمعنى الجمع، وسمِّيَ بذلك لأنه يجمع السور ويضمُّها.
- عضين: جمع كلمة عضو، والعُضو أو العِضو: الواحد أو الجزء من أعضاء الشاة وغيرها، وقيل في معناه: كل عظمٍ وافر بلحمه، جمعها أعضاء وعضين، ومعنى عضَّى الذبيحة: قسمها وقطعها أجزاءً، وعضِّيت الشاة: جعلَت أعضاءً وأجزاءً.
اقرأ أيضا: معنى آية وقل رب أنزلني منزلا مباركا
فوائد من آية الذين جعلوا القرآن عضين
- يُذكِّر الله تعالى نبيَّه الكريم بنعمة نزول القرآن عليه، وفيه السبع المثاني وهي من النعم العظيمة التي أنعم الله بها على المسلمين.
- لا يجوز أن يأخذ المسلم ببعض كتاب الله ويترك البعض الآخر وفقَ هواه ورغباته.
- يؤمن المسلم الحقيقي بكتاب الله كله وبما جاء فيه.
- يحاسب الله تعالى من يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض يوم القيامة، وسوف يسألهم عن أعمالهم في الدنيا.
اقرأ أيضا: معنى آية أليس الله بكاف عبده