أوحي الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم الذي يُعد بيانًا للناس أجمعين، واشتمل القرآن الكريم على العديد من الآيات المؤثرة، ومن هذه الآيات قوله تعالى في سورة الزمر ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ حيث تُعتبر هذه الآية المباركة سبيلًا لحياة كريمة مطمئنة للمسلم، ويكثر البحث عن معنى آية أليس الله بكاف عبده وتفسيرات العلماء الأجلاء لها.
معنى آية أليس الله بكاف عبده
إن معنى آية أليس الله بكاف عبده أي من ذا الذي يستطيع أن يُخيف العبد، وبأي شيء يُخفيه إذا كان الله مع هذا العبد، وقد اتخذ مقام العبودية، وقام بحق هذا المقام، كما تطرح الآية سؤالًا آخر، ألا وهو من الذي يُشك في كفاية الله لعبده، وقد ثبت أن الله تعالى متُصف بالقوة والقهر، ولذلك فإن خطاب الله لعباده: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ بمثابة الاستفهام الذي يجعل العبد الذي يُقر بنعم الله تعالى، يثبت، فيعيش مستقر الفؤاد، هادئ البال، وبالتالي لا ينشغل إلا بأداء شكر الله تعالى.
يتضمن هذا الاستفهام أيضًا استنكارًا على الجاحدين والمنكرين لنعم الله تعالى، لأن الإنسان إذا أنكر وجود الله تعالى ونعمه وكفايته، تشتت حاله، وأصاب عقله الهياج، وطار فؤاد من فرط القلق، وذلك لأنه لن يجد بعد الله من يُدبر الله أمره ويكفيه، فمن يترك الله، الذي هو أقرب للعبد من حبل الوريد، سيعيش ضالًا.
أثبتت الوقائع أن كفاية الله تعالى لعباده لا يحدها حاد، ولا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يمنعها مانع، وقد اختبر المسلمون ذلك في مواطن عديدة ومن ذلك:
- رأى المسلمون كفاية الله لهم يوم بدر، فلا شك أن عددهم يومها كان أقل من المشركين، كما أن عتادهم كان لا يُقارن بعتاد أعدائهم، وعندها أنزل الله الملائكة لتحارب مع المسلمين، وتحصد الكافرين كحصاد المنجل للهشيم، وقد قال الله في سورة آل عمران عن ذلك: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾.
- تحقق المسلمون من كفاية الله لهم يوم الأحزاب، فقد اجتمعت عليهم الأحزاب لاستئصال شأفتهم، وقد انتهت عندها جميع حلول الأرض، فلم يبق سوى حلول السماء، ومع نصرة الله للمسلمين، اندحر المشركين خزايا، ولم يتمكنوا من حصد رقاب المسلمين، ورُدوا إلى ديارهم خائبين، فلم يكن لهم على المؤمنين يومئذٍ سبيل، ويقول الله عن ذلك في سورة الأحزاب: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾.
- تدخلت العناية الإلهية لتنقذ المسلمين يوم حنين، عندما أعجبتهم كثرتهم، وظنوا أن الغلبة لا تكون إلا بالعدد والعتاد، فلولا نزول السكينة، وإرسال الله تعالى لجنوده، لم انقلبت موازين المعركة، وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة التوبة: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾.
اقرأ أيضا: ما هو مفهوم العبادة في الإسلام
تفسيرات أليس الله بكاف عبده
قال تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ﴾.
فسّر الإمام الرازي رحمه الله هذه الآية فقال: جرت العادة أن أصحاب الباطل يُخوفون أصحاب الحق، ويُهددونهم بتهديدات عديدة، فمن شأن صاحب الحق في هذا الموقف ألا يرتدع، لحسم الله تعالى الشبهات بقوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾، وإنما جاء الاستفهام هنا لتقرير هذه القاعدة في نفوس المسلمين، فالله هو الأعلم بجميع المعلومات، والقادر على كافة الممكنات، والمستغني عن كل الحاجات، فهو أعلم بحاجات عباده، وبيديه القدرة على أن يدفع الشرور، ويبدلها بالخيرات، كما أنه منزهٌ عن البخل والاحتياج، فهو الكريم الذي يُعطي جميع الحاجات، ويدفع الآفات، ويُزيل البليّات، ويُحقق المرادات.
جاء في كتاب إتحاف السادة المتقين للزبيدي أن معنى الآية الكريمة: لا يجدر بمن هم ذوي إيمان، أن ينزلوا حاجتهم إلى غير الله تعالى، ولا سيما هم أعلم الناس بوحدانيته، وانفراد ربوبيته.
تناول الإمام الشوكاني تفسير هذه الآية فقال: هناك عدة قراءات للآية، فقد قرأ الجمهور ﴿عَبْدَهُ﴾ بالإفراد، بينما هناك قراءة أخرى لحمزة والكسائي: ﴿عِبَادَهُ﴾ بالجمع، ويختلف التفسير بحسب كل قراءة، فإذا كانت الآية بالإفراد، فالمراد بالعبد أي الرسول صلى الله عليه وسلم، أو جنس العبد، وعند ذلك تشمل الآية جميع العباد، وفي مقدمتهم نبيه صلى الله عليه وسلم، أما المراد بالآية إذا كانت بالجمع أي الأنبياء، أو المؤمنون، أو الجميع.
قال الشيخ السعدي في تفسير الآية أن أليس الله بالكرم والجود والعناية ما يكفي عباده الذين قاموا بعبوديته، وامتثلوا لأوامره، واجتنبوا نواهيه، فالله سيكفيهم أمور الدين والدنيا، ويدفع عنهم السوء.
اقرأ أيضا: آيات عن الذكر