يتساءل الكثيرون عن معنى آية وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين الواردة في سورة المؤمنون، التي تُعد واحدة من أبرز السور المكية حيث تذكر الإيمان وحقيقته، كما تتناول عواقب مخالفته وذم الكافرين؛ ولهذا افتُتحت السورة بالحديث عن فلاح المؤمنين وخيبة وخسران الكافرين.
معنى آية وقل رب أنزلني منزلا مباركا
إن معنى آية وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين أي اجعل اللهم إنزالي إنزالًا مباركًا، وبارك لي في المكان الذي أحل عليه، والدعاء بالبركة هي سؤال للخير.
قيل في تفسير هذه الآية الكريمة أنها تُقال عند النزول من السفينة، وقد جوّز العلماء قول هذا الدعاء لمن يسكن بيتًا جديدًا، أو يريد أن يشتري بيتًا، ففي هذه الدعاء بركة بإذن الله.
رُوي عن بعض السلف من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يقرأون هذه الآية حال دخولهم البيوت والمجالس، كما أنهم أيضًا كانوا يقرأونها عند الدخول إلى المسجد، وقد أشار بعض العلماء إلى مسألة بالغة الأهمية وهي أن هذا الدعاء إنما يكون لمن نزل منزلًا لم يسبق به النزول فيه، وليس في نزول المنزل الذي يعتاد الإنسان عليه، ولو كان هذا الدعاء يُقال عند دخول البيت والبستان الذي يُقيم فيه الإنسان، لاشتهر القول به والمواظبة عليه من الصحابة، وهو ما لم يحصل.
يُستخلص من رأي العلماء في هذه المسألة، أن هذا الدعاء يُقال عند اتخاذ المنزل الجديد، كما يكون أيضًا عند الرباط الجديد على أحد الثغور، وعندما ينزل الإنسان نزولًا عارضًا، أو إذا عاد إلى منزله الدائم بعد طول سفر وغربة.
إذا نزل الإنسان مكان يعتاد عليه، فالأفضل أن يدعو بالدعاء المأثور عند الإمام مسلم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”مَن نَزَلَ مَنْزِلًا، ثُمَّ قالَ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شيءٌ، حتَّى يَرْتَحِلَ مِن مَنْزِلِهِ ذلكَ”. (( الراوي : خولة بنت حكيم | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 2708 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
جاء في كتاب تفسير الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي أن قوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ}: أن القراءة بضم الميم وفتح الزاي قراءة شائعة بين الناس، والمعنى يكون على المصدر، أي: أنزلني إنزالًا مباركًا، بينما قرأ زر بن حبيش، وأبو بكر، عن عاصم منزلًا بفتح الميم وكسر الزاي، والمعنى على ذلك: أنزلني موضعًا مباركًا.
قال الإمام الجوهري: المنزل بفتح الميم والزاي يُراد به النزول أي الحلول، يُقال: نزلت نزولًا، ومنزلًا، وأنزله غيره، ونزله تنزيلًا بمعنى رتب له ترتيبًا، أما الإمام أبي جعفر النحاس، فقد قال منزلًا بفتح الميم أي اجعل لي منزلًا، بينما قال أبو إسحاق، أن القراءة بفتح الميم والزاي يُراد به المصدرية أي: رب أنزلني من الأرض إنزالًا مباركًا، وأنت خير المنزلين.
جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: هذا حين يخرج الإنسان من السفينة، وذلك مثل قول الله تعالى: (اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك)، بينما قال آخرون أن هذا الدعاء يُقال عند دخولها، وعلى ذلك يكون المراد بـ (مباركًا) في الآية أي السلامة والنجاة.
وبشكل عام، تُعد هذه الآية المباركة بمثابة تعليم من الله تعالى لعباده إذا نزلوا بموضع غير معتاد، أو إذا ركبوا سواء الفلك أو الطائرة في الوقت الحالي.
اقرأ أيضا: فضل سورة المؤمنون
معاني المفردات في آية وقل رب أنزلني منزلا مباركا
تظهر أهمية التعرف على معاني مفردات كلمات الآيات لإزالة الإشكال واللبس، وبيان المقاصد من الآية الكريمة:
- وقل رب أنزلني: أنزل فعل، ومنه يُنزِل، إنزالًا، فهو مُنزِل، والمفعول منه مُنزَل، وتقول العرب أنزل الضيف أي أحله، وهيأ له النزل لكي يستريح، كما يُقال أنزل الله الكلام على أنبيائه أي أوحى إليهم به، وأنزل حاجته على كريم أي قصده وجعله موضع رجائه وآماله.
- وأنت خير المنزلين: نَزَل: اسم الجمع منه: أَنْزَالٌ، نَزِل، وهي صفة مشبهة، وتدل الصفات المشبهة على الثبوت، والمقصود من الآية الكريمة الدعاء عند النزول إلى نزل جديد.
اقرأ أيضا: كلام عن الدعاء
إعراب آية وقل رب أنزلني منزلا مباركا
يُستحسن بعد توضيح معنى الآية الكريمة ومفرداتها، بيان إعرابها:
- وقل: الواو للعطف، بينما قل فعل أمر مبني على السكون، والفاعل في الجملة مستتر، وتقديره ضمير المخاطب أنت.
- رب: منادى مضاف إلى ياء المتكلم التي حُذفت، كما أن حرف النداء محذوف، وتقديره يا رب.
- أنزلني: أنزِل فعل أمر مبني على السكون، ومعنى فعل الأمر هنا هو الدعاء، والفاعل مستتر تقديره أنت، والنون للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به
- منزلا: اسم مكان، أو مصدر مفعول به ثان، أو مفعول مطلق، منصوب وعلامة نصبه التنوين بالفتح.
- مباركا: نعت منصوب، وعلامة نصبه التنوين بالفتح.
- وأنت: الواو حالية، وأنت ضمير مبني في محل رفع مبتدأ، وجملة {خير المنزلين} في محل رفع خبر المبتدأ.
اقرأ أيضا: تجربتي مع سورة المؤمنون