سورة القلم من السّور الموزّعة آياتها بين المكّيّة والمدنيّة على خلاف بين العلماء، أي منها ما نزل على الرسول محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة المكرّمة، ومنها ما نزل في المدينة المنوّرة، وهي من سور المفصّل، وهي في الجزء التّاسع والعشرين في القرآن الكريم، وعدد آياتها اثنتان خمسون آية، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة القلم.
فوائد من سورة القلم
يعدُّ الدفاع عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- وتبرئته من جميع التهم الباطلة التي وجهها إليه الكافرون من أهم فوائد سورة القلم، وهذا ما بدأت به آيات السورة وأعلنه الله تعالى في قوله: {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ}.
بدأت السورة بالقسم بالقلم، دلالة على اهتمام الإسلام بالعلم الذي يُعدّ القلم مصدراً له، وتعد أوّل كلمة نزلت على الرسول -عليه الصلاة والسلام- كلمة “اقرأ” في سورة العلق؛ للأمر بالقراءة، ثمّ الإشادة بالقلم كوسيلة لنقل العلوم في سورة القلم.
توضيح نعمة القلم؛ حيث له أهميّة كبيرة في تدوين كتب الله المنزلة بالكتابة، والعلوم، والحكم، وأخبار الأوّليين ومقالاتهم، بالإضافة إلى التأكيد على أن الله مصدر كل خير، وكل ما يفتح من أسرار هذا الوجود وأسرار النفس والحياة؛ لذا يجب على العبد شكر نعم الله وعدم التكبّر كقارون.
تبين سورة القلم عظمة الله في تسخير القلم الجامد؛ ليُعبّر الإنسان به عن ما يريد، كما أن الآية الكريمة تبين الإعجاز القرآني؛ حيث إنّها نزلت مع أول الآيات على الرسول في بداية الدعوة وفي مجتمع أمي، لا يهتمّ بالقراءة والكتابة، ولا يُعطي للقلم أهميّة، فكان للقلم فيما بعد أهمية لا تغفل.
القلم وسيلةٌ ناجحةٌ في نصر الدين وكذلك في هدمه؛ لذلك يجب على كل من يستخدمه أن يتقي الله فيما يكتب ويعلم أنه محاسب عليه.
ومن فوائد سورة القلم أيضًا أنَّها تحدَّثت عن عذاب الله تعالى لمانعي الزكاة وهدَّدت المجرمين والكاذبين، كما دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى التحلِّي بالصبر دائمًا وأشارت إلى نبيِّ الله يونس في تسرُّعه وفقدانِ صبرِه.
تُشير السورة إلى إعراضِ الكافرين والمشركين عن دعوةِ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- رغبةً منهم في الوصول إلى اتِّفاقٍ بينهم يصلون فيه إلى أمر يجمعهم ويمحو خلافات العقيدة التي كانت موجودة بينهم، قال تعالى: {ودُّوا لو تُدهنُ فيُدهِنونَ}.
يُستفاد من سورة القلم أنَّها تبيِّنُ ملامحَ بيئة العرب في تلك الفترة التي ظهرَت فيها الدعوة الإسلاميَّة، وكيف كانت ردودُ القوم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تدلُّ على سذاجة وضعفِ وإفلاس مخالفيه، قال تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}، فكانوا يتهمونه بالجنون وهذا أسلوب من لا يملك الحجة من عجزه وإفلاسه.
دروس مستفادة من سورة القلم
وإنك لعلى خلق عظيم
جاء في حديث سعد بن هشام قال: أتَيْتُ عائشةَ، فقُلْتُ: يا أُمَّ المُؤمِنينَ، أخْبِريني بخُلُقِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالت: كان خُلُقُه القُرآنَ، أمَا تَقرَأُ القُرآنَ، قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}”. (( الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 24601 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
وقولها: كان خلقه القرآن، هذا يعني: تدبّر كتاب الله تعالى بحسن تلاوته وفهم معناه والعمل به، والالتزام بكلّ أوامره ونواهيه، والتّخلّق بأخلاقه، والتّأدب بآدابه، والاعتبار بقصصه وأمثاله، فقد كان النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- كما في الحديث السّابق يتخلّق بأخلاق القرآن، ويتأدّب بآدابه، وكان يرضى بما مدحه القرآن، وكان يسخط ممّا ذمه القرآن، كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ، يَرضَى لِرِضَاه، وَيَسخَطُ لِسَخَطِهِ.
ويستخلص ممّا سبق، بأنّه يجب على المؤمن أن يكون خلقه جميع ما جاء في القرآن الكريم، وأن يتحلّى بكُلَّ ما استحسنه القرآن، وأثنى عليه ودعا إليه، وأن يتجنّب ويتخلّى عن كلّ ما استهجنه القرآن، ونهى عنه، فيكون القرآن بيان خلقه، ويصبح هذا المؤمن قرآنًا يمشي بين النّاس في الطّرقات.
قصة أصحاب الجنة
قصة أصحاب الجنة واحدةٌ من القصص القرآني التي تحمل في طياتها العديد من الأحكام التشريعية والأخلاقية في الإحسان إلى النفس وإلى الغير من الفقراء والمساكين، وتتمحور حول الزكاة والصدقات وأثرها الطيب في النفس والذريةن إذ تضمّنت القصة ما يأتي:
- وجوب زكاة الثمار، وأنّها لا تسقط عن الفرد بالتحايل أو التلاعب اللفظي أو الفعلي.
- استحباب جني الثمار في النهار كي يُعطى منها الفقراء والمساكين برأي أهل العلم.
- التأكيد على حقيقة أن بعض النِّعم والرزق والثروة إنما هو ابتلاءٌ من الله تعالى.
- أثر إتيان الصدقات والزكاة في مباركة المال والولد وصلاح حالهم حتى وإن ضلوا عن الدرب قليلًا.
- صلاح الوالديْن سببٌ في رزق الأبناء وحمايتهم من العذاب والأذى وتكرر هذا المعنى في سورة الكهف أيضًا.
- عدم شُكر الله على نعمه أمرٌ موجبٌ للعقاب.
- من صلاح النفوس إن ضلت واكتشفت ضلالها عدم الإصرار على الضلال والغي والعودة إلى الطريق القويم والاستغفار.
- دور الاستماع إلى النصيحة في الوقاية خاصةً ممن عُرف عنهم الوسطية والاعتدال.
فوائد
للوقوف على الفوائد اللغوية في سورة القلم، فقد تمّ اختيار هذه الآية من سورة القلم، قال الله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}، وقال في سورة الطور: {وَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ}، فمن الملاحظ أنّ الله تعالى زاد في الآية التي من سورة الطّور على الآية التي من سورة القلم بـ “بكاهن” فما هو السّبب؟ فقد وجد أكثر من سبب لذلك، ومن هذه الأسباب:
- إن الله تعالى قد فصّل في سورة الطّور بذكر ما قاله المشركون في النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه كاهن ومجنون وشاعر، قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}، كما أنّهم قالوا عنه بأنّه كاذب، لقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ}، بينما لم يذكر سوى قولهم إنّه مجنون في سورة القلم، {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}، فكان ذلك مناسبًا لذكر هذه الزيادة في سورة الطور.
- وكذلك ذكر الاستماع في سورة الطّور في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}، والاستماع من ادّعاءات الكهنة لمن يتبعهم من الجنِّ، فكان ذلك مناسبًا لذكر الكهنة فيها.
- ومن هذه الأسباب ذكره للسحر في سورة الطّور فقال: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ}، فكان ذكر السّحر مناسبًا لذكرَ الكهنة.
- وممّا جعل ذلك أفضل أيضاً توسّعه في القَسَم في أول سورة الطّور بخلاف سورة القلم، فقد قال: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}، بينما لم يقسم الله تعالى في سورة القلم إلّا بالقلم وما يسطرون، فكان التوسع في الطّور مناسبًا لهذه الزّيادة.
- وقد ورد في سورة القلم في آخر السّورة قول المشركين، بأنّه لمجنون ولم يزد على هذا القول، فقال: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}، فكان الرّد عليهم في بداية السّورة بنفي الجنون عنه فقال: {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}، فكان آخر السورة مناسبًا لأوّلها.
- ومن ناحية أخرى فقد جاء التّوكيد مناسبًا بالباء الزّائدة في النّفي{بمجنون}، وكذلك التّوكيد باللّام في الإثبات{لمجنون}، وذلك لأنّ الباء لتوكيد النّفي واللّام لتوكيد الإثبات.
اقرأ أيضًا:
المصادر: