سورة الطلاق من السور المدنية، أي التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، وهي السورة السادسة والتسعون في ترتيب النزول بين سور القرآن الكريم، وعدد آياتها اثنتا عشرة آية كريمة، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة الطلاق.
فوائد من سورة الطلاق
عند الحديث عن فوائد سورة الطلاق فشأنها كشأنِ السور المدنيَّة جميعها نزلتْ محددةً للتشريعات الإسلاميَّة، التي كانت الأساس في بناء مجتمع المدينة، مجتمع الإسلام الأول.
احتوت آيات هذه السور الكريمة على قضية أُسريَّة مهمة جدًا، وهي الطلاق بكلِّ أحكامه وأنواعه وكلّ ما يتعلق به، فمن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ…} وحتى قوله تعالى في الآية الخامسة :{ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}، فقد بينت الآيات الكريمة الوقت الذي يقع فيه الطلاق ويقبله الله تعالى بحسب سنة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بأن تكون المرآة في طهارة حتى تبدأ أيام العدة دون وقوع ضرر عليها، وتظلُّ المرأة في بيت زوجها حتى تنتهي من عدتها.
أشارت الآيات الكريمة من سورة الطلاق إلى حكم مراجعة الزوجة المطلقة قبل أن تنتهي من عدتها، وتنبه الزوج على تقوى الله، كما تُفصّل الآيات في مدة العدة عند النساء اللواتي انقطعن من الحيض أي الكبيرات في السن، أو اللاتي لم يحضن لصغرهن، بأنَّ عدتهن ثلاثة أشهر، وعدة المرأة الحامل حتى تضع مولودها، ثم تطلب الآيات من الأزواج أن ينفقوا على زوجاتهم طوال مدة العدة من تأمين للسكن وحتى أجرة إرضاعهن لأولادهن بحسب القدرة المالية لكلِّ زوج.
ومن فوائد سورة الطلاق في الآيات من قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ}، إلى قوله تعالى في نهاية السورة: {للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} أن الله تعالى يحذر عباده من تعدي شريعته، فإنَّ من يتعدى حدود الله سيُعاقب أشدَّ العقاب.
تأتي الأمثلة في من سبق من الأمم التي لم تخف الله وخرجت عن أمره، فذاقت ألوان العذاب جزاء التكذيب والاستهزاء بشرع الله سبحانه خالق السموات والأرض، الواحد الأحد، الذي أحاط علمه -جلَّ جلاله- بكلِّ شيء.
دروس مستفادة من سورة الطلاق
بعد مقاصد سورة الطلاق يمكن الحديث عن الدروس والعبر الموجودة فيها، والتي تقوم عليها الخلية الأولى في المجتمع وهي الأسرة، وقد اعتنى الإسلام بها، وحافظ على تماسكها وصيانتها من التفكك والهدم ومن الدروس المستفادة من سورة الطلاق:
- حثت الآيات الكريمة على تقوى الله -جلَّ جلاله- والتوكل عليه في كلِّ أمور الحياة، والالتزام بشرعه، فذلك يؤدي إلى سعادة الدنيا والنجاة في الآخرة، ويزيد في الرزق ويفرّج الهموم.
- حذرت الآيات الكريمة الأزواج من إلحاق الضرر بزوجاتهم أو ظلمهن بأية طريقة، ومعاملتهن بالعدل والإحسان، سواء خلال الزواج أو بعد وقوع الطلاق، وكلُّ ذلك من جمال الدين الإسلاميّ وشريعته السمحة.
- أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أرسله الله تعالى رحمة للبشر جميعًا، وأنزل عليه الآيات المحكمات التي تبين للناس الحلال من الحرام، وليخرج الناس من ظلام الكفر إلى نور الإيمان.
- إيمان الإنسان هو الشرط لقبول أعماله، ومن يعمل صالحًا من الناس وقلبه مؤمن فجزاؤه الجنة والنعيم.
فوائد
سورة الطلاق كسائر سور القرآن الكريم فيها من البيان الكثير، وقد وقف الدكتور فاضل صالح السامرائي على بعضٍ مما جاء من فوائد لغوية في سورة الطلاق، مثلًا في قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}.
والشاهد في استخدام القرآن الكريم للفظ “اللائي” وقد استخدم في كثير من الآيات الأخرى لفظ “اللاتي” في الإشارة للنساء، ومن المُلاحظ أنَّ لفظ “اللائي” لم يُستخدم في القرآن الكريم إلا مع الطلاق والظهار، فالهمزة حرف ثقيل على اللسان، وكذلك الطلاق هو أمر شاقٌّ وثقيل على طرفيه الزوج والزوجة، وهذه من المناسبات العجيبة في القرآن الكريم بين الألفاظ ومواضعها، وهناك تشابه في اللفظ بين “اللائي” وبين “اللئي” وهو الجهد والمشقة والتعب، وهكذا هو الطلاق لا يأتي إلا بعد مشقةٍ وتعب.
ومما جاء من فوائد بيانية في سورة الطلاق أيضًا، في قوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، جاء هنا الحَمل بلفظ الجمع “الأحمال”، بينما في الآية السادسة من سورة الطلاق يقول الله تعالى: {إِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ}، جاء ذكر الحَمل بصيغة المفرد “حملهن” بالمفرد، فما السبب في ذلك؟
يرجع السبب في ذلك إلى أنه في الآية الأولى استخدم لفظ الجمع لأن الأمر يشمل كل النساء بلا استثناء، أما في الآية الثانية فقد استخدم لفظ الحَمل بالمفرد لأنَّ الآية تخصُّ النساء المُطلقات، وكيفية الانفاق عليهن، فسياق الآية يرتبط بحالة الزوج المادية، وليست حالةً عامة، وقد استخدم الإفراد في الحالة الثانية بسبب القلة النسبية، وذلك مراعاةً لسياق الآيات، والله أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: