فوائد من سورة النساء
افتتح الله تعالى هذه السورة بتذكير الناس بأصل خلقتهم من نفس واحدة }يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة}، ليكون ذلك أدعى لتعاونهم وتراحمهم حين تتشابك وشائج النكاح والإرث وتترتب الحقوق، فاتحاد أصلهم من شأنه أن يرسخ المعاني الشرعية لأحكام الأسرة من رضاع ونسب ومصاهرة.
نوهت السورة الكريمة بقيمة التكافل داخل منظومة المجتمع الإسلامي، حتى أضافت أموال اليتامى إلى الأوصياء }ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}؛ لتبين أنهما مشمولان بدائرة المجتمع الواحد وأن تبذير تلك الأموال وإضاعتها يعود ضرره على المجتمع بصفة عامة.
أوضحت السورة أن الله تعالى أرحم بعباده من أمهاتهم وآبائهم، وتجلى ذلك في مطلع السورة عند ربط تقوى الله تعالى بالأرحام }واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}، كما اتضح في وصيته جل شأنه للوالدين بالأولاد }يوصيكم الله في أولادكم}.
يُربي الله تعالى هذه الأمة على الخلق الرفيع والأدب الكامل لذلك تكني السورة عن الجماع بالإفضاء }وقد أفضى بعضكم إلى بعض} ، والاستمتاع }فما اسمتعتم به منهن}، وسعياً منها إلى تمتين الروابط الأسرية وتقوية العلاقات الاجتماعية جعلت السورة الكريمة الإصلاح مطلبا والتوافق هدفاً }وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما}.
بينت السورة أن مآل المطيعين عظيم وثوابهم جزيل ورفقتهم كريمة تعظيماً منها لمنزلة الطاعة وإعلاء لرفعة الاستسلام لأمر الله ورسوله صلى الله عليه }ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}.
من رحمة الله تعالى الواسعة بعباده ولطفه الكامل بهم أن نهاهم عن قتل أنفسهم }ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} ، وجعل حفظ النفس ثاني أعظم الضروريات الخمس التي تواترت عليها الشرائع، فكان إزهاقها عمدا من أعظم الكبائر الإجرامية في نظر الإسلام، لهذا شنعت السورة الكريمة على مرتكب القتل، وشددت على تغليظ عقوبته في الدنيا والآخرة لفظاعة جريمته }ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} .
جمعت السورة الكريمة صفات المنافقين وفصلت طبائعهم، وذكرت في ثنايا ذلك خصال طائفة مريضة من المسلمين يكثر وجودها في المجتمع الإسلامي }وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا}، وفصلت فيما تحتاجه هذه الطائفة إلى حكمة وتأن لمعالجة ما تعانيه من ضعف الإيمان ونضوبه.
بعد أن نبذ اليهود الوحي وراء ظهورهم وعارضوا الرسل بل وقتلوهم وصدوا عن سبيل الله تعالى بأقصى ما يستطيعون جردتهم السورة من كل نسبة علمية ونادتهم كما ينادى عبدة الأوثان }يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا}، ثم أتبعت ذلك بنداء للنصارى الذين أزاغتهم الحيرة وأضلهم الغلو فتاهوا عن الجادة.
تُعتبر سورة النساء بحرا زاخرا بالآداب والنظم والتاريخ والتشريعات والقواعد والحكم. كما أنها من أكثر سور القرآن الكريم استعراضا لأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، حيث تثنت فيها أكثر من 42 اسما وصفة بمعان مرتبطة بموضوعاتها؛ كالرحمة والعلم والمغفرة والحكمة والقدرة، لما احتوته السورة الكريمة من دواعي العدل والإنصاف والمصالحة في العلاقات الأسرية والوشائج المجتمعية والمعاملات بشتى صنوفها وفي مختلف الظروف.
الدروس المستفادة من سورة النساء
في إطار تنظيفها للمجتمع من أدران الشرك بينت السورة أن الدينونة لله وحده لا شريك له ثم تعرضت لقضايا المرأة فأعلت شأنها وصانت كرامتها، وأوجبت حقوقها في الرعاية بإحسان والتربية بعناية، وفرضت لها المهر والميراث والعشرة بعدل.
أبقت السورة ما كان معمولاً به في المجتمع العربي من مكارم الأخلاق كالتكافل والعَقْل وفداء الأسير وحفظ الجوار، مواكبة للفطرة والطبع البشري في مختلف العصور والبيئات.
إن فهمنا للقرآن يجعلنا نتبين مسيرة هذه الحياة و نواميسها، ذلك أن القرآن هو الدستور الشامل الذي ارتضاه الله تعالى للناس كافة حتى قيام الساعة، ذلك ما نجده في هذه السورة التي سمت بالعلاقات الزوجية إلى أرقى المستويات بعيدا عن البهيمية الشهوانية، لتجعل منها رباطا يجمع القلوب قبل الأجساد، وميثاق عشرة تحتضنه المحبة.
قدمت السورة نمطا فريدا للإحسان، موضحة أن أعظم أسبابه دلالة وأكثرها تأثيرا وديمومة تعاون يحيطه التكافل، وتراحم يطبعه التسامح والتناصح، وأمانة يقودها العدل، فإن شيدت علاقات المجتمع على هذا المنوال لم تعرف عُراها تصدعاً ولم تشهد مواثيقه انفكاكاً، ولم تجد الشحناء إليه سبيلا، رغم زخم وتنوع الأحداث وتجدد الوقائع.
تضمنت السورة تربية جادة للمؤمنين تجعلهم مجبولين على تلقي شريعة الله تعالى بكل استسلام وقبول، فليست كليات الشريعة أجدر بالاتباع ولا أصولها أولى بالتطبيق من فروعها وجزئياتها، إذ هي كل لا يتجزأ، لا تستثني نصوصها شيئاً لا يدخل في الاستسلام، الذي هو شعار المؤمنين.
طرحت السورة جملة من القواعد المحددة لنظام تعامل الجيش والدولة الإسلاميين مع الأعداء والأصدقاء في السلم والحرب كما حرضت السورة على الجهاد في سبيل الله تعالى لقطع دابر المشركين واستئصال شأفة المجاهرين بالعداوة والوقوف في وجه الدعوة الإسلامية.
وجهت السورة بعضا من اللوم والعتاب والوعيد لمن رضوا بالمهانة والمذلة؛ إذ لم يُظهروا ما يكفي من صدق الاستجابة والاستعداد والصبر أثناء وجودهم في الأماكن التي استوطنوها كما لم يسعوا على الأقل إلى مغادرتها، للتخلص من العسف والظلم الواقع عليهم.
ومن مقاصد السورة في ذلك التأنيب أن تشرح بوضوح أن الإسلام بعزته لا يرضى لأتباعه الضعة والنذالة، بل لابد للمؤمن من نفس كريمة وشخصية أبية وروح عزيزة من غير استكبار ولا غطرسة، فكان هذا النقد الداخلي لمراجعة المسلمين لأنفسهم ومحاسبتهم لها ومكاشفتهم بما ينبغي أن يكون.
اقرأ أيضًا:
لماذا سميت سورة النساء بهذا الاسم
المصادر: