تعدُّ سورة المنافقون من السور المدنية في القرآن الكريم، فقَد نزلتْ على النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلّم- في المدينة المنورة، وهي في الجزء الثامن والعشرين وفي الحزب السادس والخمسين، رقمُها من حيث الترتيب في المصحف الشريف 63، عددُ آياتِها 11 آية، والسورة محكمةٌ لا ناسخ ولا منسوخ فيها، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة المنافقون.
فوائد من سورة المنافقون
تتناوَل سورة المنافقون بيان صفات المنافقين نفاقًا اعتقادِيًّا، وهم كما وصَفَهم النبي في حديث حذيفة قلتُ: وما دَخَنُه؟ قال: يكونُ بعدي أئمةٌ يستنُّونَ بغيرِ سُنَّتِي، ويَهدُون بغيرِ هديِي، تعرفُ منهم وتُنكرُ، وسيقومُ فيهم رجالٌ قلوبُهم قلوبُ الشياطينِ، في جثمانِ إنسٍ”. (( الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1847 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
وفي طريق أخرى: “قال: لا ترجعُ قلوبُ أقوامٍ على الذي كانت عليه، فقلتُ: هل بعد ذلك الخيرِ من شرٍّ؟ قال: نعم، فتنةٌ عمياءُ صمَّاءُ عليها دعاةٌ على أبوابِ جهنمَ، من أجابَهُم إليها قذفوهُ فيها، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، صِفْهُمْ لنا؟ قال: هم من جِلدَتِنا، ويتكلمون بألسِنَتِنا، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فما تأمُرني إذا أدركني ذلك؟ قال: تلزمُ جماعةَ المسلمين وإمامَهم، وإن ضرب ظهرَك، وأخذ مالَك، فاسمع وأطِعْ”. (( الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 7084 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
تُرشدنا سورة المنافقون إلى أن هذه الفئة تتحدث باسم الإسلام، ويموهون كذبهم باللأَيْمان الكاذبة فيغترَّ بهم مَن لا يعرف حقيقة أمرهم، ولهذا قال تعالى: {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فصدوا البعض عن دين الله، وسنة رسول الله.
ومن فوائد سورة المنافقون بيان أن أشكالٍهم حسنة، {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}، إذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم، وقلوبهم في غاية الضعف، قال تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ }، ولاؤُهم لأهل الكتاب، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
ويُعرف النفاق شَرْعًا: هُوَ أن يَسْتُر الرَّجلُ كُفْرَه ويُظْهر إِيمَانَهُ، فالمنافِق هو الذي يخالف قولَه فعلُه، وقد قال ابن القيم في خطر المنافقين: ” فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه، وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه، وكم من لواءٍ له مرفوع قد وضعوه، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية، ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية”.
فوائد
إنّ بين يدي هذه السّورة الكريمة لمساتٍ بيانيّةً تستحقّ الوقوف عندها، والتفكّر في جانبٍ من فوائد لغوية في سورة المنافقون، والحديث فيما يأتي سيحاول قدْر المستطاع عرضَ عددٍ من هذه الجّوانب، ففي قوله -تعالى- بعد بسم الله الرّحمن الرّحيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ}، هاتان الآيتان الكريمتان تحملان أسرارًا تعبيريّةً عظيمةً شأنها كشأن سائر آيات الذّكر الحكيم.
ولا بدّ من السّؤال هنا: لماذا قال -جلّ وعلا- {فَأَصَّدَّقَ} مستخدمًا النّصب فيها واستخدم العطف بالجّزم {وَأَكُن} ولم يجعلْهُما نسقًا واحدًا؟
والإجابة عن هذا الاستفسار هي: لقد قال -تعالى-: {لَا تُلْهِكُمْ} وقصد بها: لا تشغلكم، وقد يُقال لمَ لم يقل لا تشغلكم بشكلٍ مباشرٍ؟ والجواب: إنّ من الشّغل ما يكون محمودًا ومنه قوله -تعالى- في سورة يس: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ}، أمّا الإلهاء فهو بما لا خير فيه وهو أمرٌ مذمومٌ بالعموم، فاختار -سبحانه- ما هو الأحقّ بالنفي.
وأما القضية الثانية، فقد أسند -سبحانه وتعالى- الإلهاء إلى كلٍّ من الأموال والأولاد فقال: {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ}، أي أنّه نهى الأموال عن إلهاء المؤمن، وما يُراد حقيقةً من ذلك هو نهيُ المؤمن عن الإلتهاء بما تمّ ذكره، وهو من باب النّهي لشيءٍ والمراد لغيره، وهو كما الحال في قوله -تعالى- في سورة لقمان: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ}، فإنّه قد نهى الحياة الدّنيا عن غرّ المؤمن والمراد حقيقةً نهي المؤمن عن الاغترار بحال الدّنيا، وهكذا تكون قد تمّت الإجابة عن جانبٍ من تأمّلاتٍ في سورة المنافقون.
بالنسبة إلى علاقة سورة المنافقون بالسور التي تسبقها وتليها، فإنّ سورة الجمعة جاءت قبلها وفيها ذكرَ الله -تعالى- المؤمنين، وفي هذه السّورة ذكرَ -سبحانه- أضدادهم وهم المنافقون.
أمّا السورة التي بعدها ففيها ذكرٌ للمشركين، والسّورة التي قبل سورة الجمعة هي سورة الممتحنة و فيها ذكرَ -جلّ وعلا- المعاهدين من المشركين، أي أنّ ترتيب نزول السّور الكريمة رغم نزول سورة التّغابن بعد سورة الجّمعة ومع ذلك فقد تقدّمت سورة المنافقون عليها، كلُّ هذا التّرتيب لحكمةٍ من الحكيم الخبير.
اقرأ أيضًا:
مصادر: