سور ص من السور المكيّة التي نزلت على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، هي السورة الثامنة والثلاثون في ترتيب المصحف الشريف البالغ عدد سورة مائةً وأربعة عشر سورةً كريمة، تسبقها سورة الصافات وتليها سورة الزمر، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة ص.
فوائد من سورة ص
تناولت السورة -كغيرها من السور المكية- ثلاث قضايا رئيسة: قضية التوحيد، وقضية الوحي إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقضية الحساب في الآخرة، وتعريض هذه القضايا الثلاث في مطلعها، فجاءت فاتحتها مناسبة لجميع أغراضها؛ إذ ابتدأت بالقَسَم بالقرآن الذي كذب به المشركون، وجاء المقْسَم عليه أن الذين كفروا في عزة وشقاق، وكل ما ذكر فيها من أحوال المكذبين سببه اعتزازهم وشقاقهم، ومن أحوال المؤمنين سببه ضد ذلك.
تتمثل الفوائد التفصيلية لسورة ص فيما يأتي:
- توبيخ المشركين على تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وتكبرهم عن قبول ما أُرسل به، وتهديدهم بمثل ما حل بالأمم المكذبة قبلهم، وأنهم إنما كذبوه؛ لأنه جاء بتوحيد الله تعالى؛ ولأنه اختص بالرسالة من دونهم.
- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عن تكذيب المشركين له، وأن يقتدي بالرسل من قبله، داود وأيوب وغيرهما وما جوزوا عن صبرهم.
- الدعوة إلى الحكم بين الناس بالعدل، والنهي عن اتباع الهوى، والوعيد الشديد لمن لم يهتدِ بهدي القرآن.
- توجيه النبي صلى الله عليه وسلم -والمؤمنين معه- إلى الصبر على ما يلقاه من المكذبين، والتطلع إلى فضل الله ورعايته، كما تمثلهما قصة داود وقصة سليمان عليهما السلام.
- تضمنت السورة قصة أيوب، التي تصور ابتلاء الله للمخلصين من عباده بالضراء، وصبر أيوب مثل في الصبر الذي ينبغي أن يُقتدى به.
- تأسية الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، عما كانوا يلقونه من الضر والبأساء في مكة، وتوجيه إلى ما وراء الابتلاء من رحمة، تفيض من خزائن الله عندما يشاء.
- تعرض السورة صورة مصارع الغابرين، الذين طغوا في البلاد، وتجبروا على العباد، واستعلوا على الرسل والأنبياء، ثم انتهوا إلى الهزيمة والدمار والخذلان لكونهم مكذبين، ثم تعرض بإزائها صفحة العز والتمكين والرحمة والرعاية لعباد الله المختارين، في قصص داود، وسليمان، وأيوب عليهم السلام.
- عرضت السورة مشهداً من مشاهد القيامة، يصور النعيم الذي ينتظر المتقين، والجحيم التي تنتظر المكذبين، وتكشف عن استقرار القيم الحقيقية في الآخرة بين هؤلاء وهؤلاء، حين يرى المتكبرون مصيرهم ومصير الفقراء الضعاف، الذين كانوا يهزؤون بهم في الأرض، ويسخرون منهم، ويستكثرون عليهم أن تنالهم رحمة الله، وهم ليسوا من العظماء ولا الكبراء، ويُختم المشهد ببيان أن للمتقين لحُسْنُ مآب، وأن للطاغين لشر مآب.
- من فوائد سورة ص إثبات البعث بقصد جزاء العالمين بأعمالهم من خير أو شر، وأنه ليس للبشر شيء من ملك السماوات والأرض، وإنما يفتح الله من رزقه ورحمته على من يشاء.
- تؤكد فوائد من سورة ص على أن الله سبحانه يختار من عباده من يعلم استحقاقهم للخير، ويُنعم عليهم بشتى النِّعَم، بلا قيد، ولا حد، ولا حساب.
- تصور السورة جزاء المؤمنين المتقين، ومقابله من جزاء الطاغين، الذين أضلوهم، وقبحوا لهم الإسلام والمسلمين.
- تستعرض السورة بشكل موجز قصة البشرية الأولى، وقصة الحسد والغواية من العدو الأول إبليس، الذي يقود خطى الضالين عن عمد وعن سابق إصرار، وهم غافلون.
- من فوائد سورة ص أن نتعرف على أن الذي أردى إبليس، وذهب به إلى الطرد واللعنة، كان هو حسده لآدم عليه السلام، واستكثاره أن يؤثره الله عليه ويصطفيه، كما أن المشركين يستكثرون على محمد صلى الله عليه وسلم أن يصطفيه الله من بينهم بتنزيل الذكر، ففي موقفهم شَبًه واضح من موقف إبليس المطرود اللعين.
- ترد في ثنايا القصص في هذه السورة لفتة تلمس القلب البشري، وتوقظه إلى الحق الكامن في بناء السماء والأرض، وأنه الحق الذي يريد الله بإرسال الرسل أن يقره بين الناس في الأرض.
- تختم السورة مقاصدها ببيان أن ما يدعو إليه الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتكلفه من عنده، ولا يطلب عليه أجراً، وأن له شأناً عظيماً سوف يتجلى في حينه المقرر عنده سبحانه.
فوائد
وردت قصص الأنبياء في كثيرٍ من سور القرآن الكريم، ومن بينها قصة أيوب -عليه السلام- التي ورد ذكرها في أكثر من موضع كسورة ص وسورة الأنبياء، لكن ممّا يلاحظ عن دراسة ما جاء من فوائد لغوية في سور ص أنّ الله تعالى ذكر في قصة أيوب -عليه السلام- ما جاء في قوله: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أمّا في سورة الأنبياء قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}، ومن الملاحظ عند دراسة اللمسات البيانية في الحالتين أنّ الله تعالى في سورة ص قال “رحمةً منّا”، وفي سورة الأنبياء قال: “رحمة من عندنا”، ومن هنا ينطلق السؤال أنّه ما الفرق بين الحالتين؟
وقد أجاب الدكتور فاضل السامرائي في حديثه عن تأملات في سورة ص أنّ الفرق بين “منا” و”من عندنا” هو أنّ القرآن الكريم يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، فهو لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامّة يستعملها مع المؤمن والكافر أو العاصي والمذنب.
وفي هذه الحالة ومع أنّه ذكر نفس القصة إلّا أنّ الله تعالى قال في البداية في سورة ص “أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ” ومعنى المس هنا هو الوسوسة مع بعض الاستجابة، وفي هذه الحالة يكون أيوب -عليه السلام- قد سمع وسوسة الشيطان ولو قليلًا وبهذا يكون قد عصا ربّه وخرج من دائرة خصوصية الرحمة فقال “رحمة منا”، أمّا في سورة الأنبياء قال “أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ”، والضر هو المرض والبلاء وليس من عند الشيطان، ولهذا خصّه بالرحمة وقال “رحمة من عندنا”، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: