أكرم الله -سبحانه وتعالى- أنبياءه ورسله بكرامات جمة، وبدأ هذا التكريم من لحظة اختيارهم من بين العالمين ودون سائر البشر لتأدية الرسالة، وجعل لكل منهم معجزة خالدة إلى يوم الدين، وزيادة في تكريمهم فقد سميت سور قرآنية عديدة بأسماء أنبياء ورسل الله تعالى، وسورة إبراهيم إحدى هذه السور، ونتناول في هذا المقال فوائد من سورة إبراهيم.
فوائد من سورة إبراهيم
افتتح سبحانه سورة إبراهيم ببيان أن المقصود من إنزال الكتاب إرشاد الخلق كلهم إلى الدين والتقوى، ومنعهم عن الكفر والمعصية، قال سبحانه: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد}، وهذا المقصد هو الذي جاءت من أجله جميع الرسل.
توحيد الله سبحانه، يرشد لذلك ما جاء في السورة من قول موسى عليه السلام: {إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد}، وقول إبراهيم عليه السلام: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}، وقوله سبحانه في آخر السورة: {وليعلموا أنما هو إله واحد}. قال ابن عاشور: “وليعلموا مِما ذكر فيه من الأدلة ما الله إلا إله واحد، أي: مقصور على الإلهية الموحدة”.
وقال الرازي: “الآيات مشعرة بأن التذكير بهذه المواعظ والنصائح يوجب الوقوف على التوحيد، والإقبال على العمل الصالح، والوجه فيه أن المرء إذا سمع هذه التخويفات والتحذيرات عظم خوفه، واشتغل بالنظر والتأمل، فوصل إلى معرفة التوحيد والنبوة، واشتغل بالأعمال الصالحة”.
أوضحت السورة أن القرآن الكريم غاية البلاغ إلى الله سبحانه؛ لأنه كافل ببيان الصراط الدال عليه، المؤدي إليه، جاء في ذلك قوله سبحانه: {هذا بلاغ للناس} وبين سبحانه أنه إنما أنزل هذه السورة، وذكر فيها النصائح والمواعظ؛ لأجل أن ينتفع الخلق بها، فيصيروا مؤمنين مطيعين، ويتركوا الكفر والمعصية. فالغاية الأساس من ذلك (البلاغ)، وهذا (الإنذار)، هي أن يعلم الناس {إنما هو إله واحد}، فهذه هي قاعدة دين الله التي يقوم عليها منهجه في الحياة.
قال البقاعي: “اشتملت هذه السورة على المواعظ والأمثال والحكم التي أبكمت البلغاء، وأخرست الفصحاء، وبهرت العقول، ترجمها سبحانه بما يصلح عنواناً لجميع القرآن، فقال: {هذا}، أي: الكتاب الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، {بلاغ}، أي: كافٍ غاية الكفاية في الإيصال {للناس}؛ ليصلوا به إلى الله بما يتحلون به من المزايا في سلوك صراطه القويم”.
تضمنت السورة جملة من فنون العظات والقوارع، من ذلك قوله تعالى: {وويل للكافرين من عذاب شديد * الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا}، وقوله سبحانه: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}، وقوله تعالى: {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد}.
تثبيت الله سبحانه لعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}، وقوله عز وجل: {وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام}.
إضلال الذين أعرضوا عن ذكره، واتبعوا أهوائهم، قال تعالى: {ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}، وقوله عز وجل: {وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار}.
ذمت السورة أولئك الذين يبدلون نعمة الله كفراً، ويقودون قومهم إلى دار البوار، كما قاد من قبلهم أتباعهم إلى النار، في قصة الرسل والكفار، {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار}.
من الفوائد التي يمكن استخلاصها من سورة إبراهيم أنها أكدت على نعم الله على البشر؛ وذلك من خلال الحديث عن أضخم المشاهد الكونية البارزة، {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار}، ومن ثم كان لا بد أن يأتي نموذج لشكر نعمة الله تعالى وهذا النموذج يتمثل في إبراهيم الخليل، حيث أمر الذين آمنوا بلون من ألوان الشكر هو الصلاة والبر بعباد الله، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة}.
من أبرز الفوائد التي تتضمنها سورة إبراهيم أنها تعتني بقضية الربوبية، والدينونة لله بالملك والتصرف والتدبير، وهذا واضح في تكرار إبراهيم {رب} {ربنا}، كقوله سبحانه: {رب اجعل هذا البلد آمنا}، وقوله: {رب إنهن أضللن}، وقوله: {ربنا إني أسكنت}، وقوله: {ربنا إنك تعلم}، وقوله: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء}، وقوله: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}.
ومن ثم فإن السورة في جميع أقسامها تؤكد على أن المقصود الرئيس من خلق الإنسان هو الدينونة لله وحده، لأنه سبحانه هو الرب الذي يستحق أن يكون إلها معبوداً، حاكماً وسيداً ومتصرفاً ومشرعاً وموجهاً، وقيام الحياة البشرية على هذه القاعدة يجعلها تختلف اختلافاً جوهريًّا عن كل دينونة لما سواه.
فوائد
في قوله -تعالى-: {قالت لهم رسلهم}، لم لم يقل لرسلهم باستخدام اللام؟ الإجابة هي: لأن التصريح باللام قد أكد في تبليغ الرسالة لهم فناسب ذكرها في سياق الرسل، وفي قوله -تعالى-: {لئن شكرتم لأزيدنكم}، لم يقل -سبحانه- بعدها: لأعذبنكم أشد عذاب بل قال: {لأزيدنكم}، فما السبب في ذلك؟
جواب هذا السؤال يكون بذكر وجهين له كما يأتي: الوجه الأول: هو حسن المخاطبة في هذا التصريح والذي كان بالزيادة في الخير، ولم يصرح – جل وعلا- بالعذاب في هذه المخاطبة، أما الوجه الثاني فيقول: لو صرح الله بخطابهم بذلك لم يكن صريحا بدخول أحد غيرهم في ذلك الحكم، فعدل عن إضافة ذلك إليهم لإفادة العموم في كل كافر على الإطلاق.
وفي قوله -تعالى-: {وأنزل من السماء ماء}، وفي سورة النمل: {وأنزل لكم من السماء ماء}، فما الفرق؟
الفرق بين آيتي السورتين الكريمتين هو: لما قال -تعالى- في سورة إبراهيم: {رزقا لكم} وأقرنها بالرزق فقد جعلها أبلغ في النعمة والمنة، وقد أغنى ذكرها آخرا عن ذكرها أولا، أما في آية سورة النمل: فقد صدرها مع: {أنزل}؛ بغرض المنة وليس ثمة ما يغني عنها بالمنة عليهم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: