سورة الأنعام هي أول سورة مكية في ترتيب المصحف وتتناول السورة الكثير من الدروس والمقاصد، لذلك يُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة الأنعام.
فوائد من سورة الأنعام
خاطبت سورة الأنعام الوثنيين الجاحدين لألوهية الله تعالى، فأفاضت في إقامة الدلائل والبراهين على قدرته ووحدانيته، ثم ثنت بذكر شهادته تعالى على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وثلثت بموقف المنكرين للقرآن المكذبين للوحي.
ذكرت السورة بما يؤول إليه أمرهم من الحسرة الشديدة والندامة القاتلة يوم القيامة، وكذلك تكون نهاية كل متعصب للباطل جامد على الضلال مقاوم لكل صيحة تحرر من أغلال الخرافة.
تميزت سورة الأنعام بكثرة التقريرات والتلقينات لاستنقاذ العقول من مهاوي الإلحاد ومهابط الخرافة، واعتمدت أسلوب تبيان المرض، وأما الكافرون فهم بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون ولا يستجيبون، فلم يغب أبدا عن كبراء المشركين أنه الحق ولكنهم كانوا يخدعون جماهيرهم لحفظ امتيازاتهم.
كشفًا لما تعلقوا به من شبه في مهيعهم ذلك تورد السورة متعلقهم {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ}، ثم تأتي بالرد المفحم الذي يتناسب معه {قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، وهكذا وعلى هذا النمط يتواصل أسلوبها في ذكر الشبهة وإبطالها بما لا مزيد عليه.
لقد وردت كلمة {قل} أربعاً وأربعين مرة إسعافاً من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم للرد على مخالفيه كسباً للمعركة الدائرة بين الحق والباطل، تقريرا لأمر النبوة، وتبيانا للدلائل الدالة على وجود الصانع، وكمال علمه وحكمته وقدرته، تنبيهاً على أن المقصود الأصلي من جميع المباحث العقلية والنقلية إنما هو معرفة الله بذاته وصفاته وأفعاله برهانا على وجوده ووحدانيته.
أمر الله تعالى عباده المؤمنين بهجر مجالس السوء، وقد تكرر الأمر بهذا الهجر أكثر من مرة على مدار السورة الكريمة، وبعد ذلك التحريض على مجافاة مجالسة الجهلة المغرورين ترفعا عن المشاركة في العبث والخوض في اللغو تعود الآيات إلى ذكر جانب من الحجج الدامغة، الدالة على التوحيد وبطلان عبادة الأوثان.
تحلق السورة بعد ذلك بعيدا عن الواقع المعقد مختزلة ضغثا من القرون لتغوص في أعماق التاريخ لتصل إلى قصة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام مع عباد الكواكب؛ لإقامة الحجة على مشركي العرب، في تقديسهم الأصنام وعبادتهم لها، لقد بشر إبراهيم عليه السلام بالتوحيد الخالص، الذي يتنافى مع الإشراك بالله.
دأب الكفار منذ الجاهلية الأولى إلى العلمانية المادية في واقعنا المعاصر على التشكيك في الله تعالى ورفض رسالاته، فكان القرآن ولا زال يواجههم بدلائل التوحيد في خلق الإنسان، والحيوان، والنبات، وفي خلق السموات والأرض، ويعدد لهم آلاء الله تعالى ونعمه المشهودة على خلقه، ويسرد لهم الأمجاد الإلهية في صورة تقارير حاسمة.
من فوائد سورة الأنعام أنها تبيّن دلائل النبوة والبعث بياناً شافياً قاطعاً للعذر ليأمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالاستمساك الوحي والصفح إعراضا عما يثيره المشركون ورفض الاستجابة لما تطلبوه من آيات وخوارق لأنها لن تزيدهم إلا عتوا.
وضّحت هذه السورة المباركة أن المشركين اختلقوا شرائع يتحاكمون إليها وابتدعوا عبادات يزاولونها ما أنزل الله بها من سلطان، وهكذا واقع كثير من المنتسبين إلى الإسلام في انحرافهم يتواضعون على أمور ثم يضيفونها إلى الدين ويجعلونها من صميمه ويتمسكون بها ويتهاونون بما هو من أصل الشريعة.
تشتمل السورة على الوصايا العشر التي اتفقت عليها الشرائع السماوية كاملة في معقوليتها {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، فهذه الوصايا قائدة إلى التقوى والاستقامة بعيدا عن الأهواء والبدع والخزعبلات {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
في ختام السورة كان النبذ شديدا والوعيد مخيفا لرعاة الفرقة ودعاة اتخاذ الدين أشلاء تفاريق، لتبين أن المؤمن الحق هو ذلك يكون عبدا لله في حياته كلها، وتقدم السورة لذلك نموذجا فريدا تمحض لله تعالى عبادة ونصحاً ودعوة، إنه محمد صلى الله عليه وسلم بمنهجه الناجع وسيرته العطرة وسنته الشافية من كل أمراض الشبهات والشهوات.
دروس مستفادة من سورة الأنعام
قدمت هذه السورة الكريمة العقيدة الصافية بشكل تربوي فريد؛ إذ عرضت باقة من الأسئلة إثارة لمكامن العقول، ثم لم تلبث أن قدمت لها من الردود ما يشفي الغليل ويبين قصور العقل البشري, فنبهت الفطر النائمة التي استودعها الله خلائقه، لاستيعاب قواعد التوحيد الخالص لله تعالى في ذاته العلية وصفاته الكاملة.
أظهرت السورة الكريمة مدى خسران المشركين الذين جعلوا لله أندادا يزعمون افتراء أنهم ينازعونه في خلقه، ويشاركونه في حكمه ألا ساء ما يحكمون! إنه انتكاس الفطر وسقم العقول، إذ كيف يكون للخالق ندا محدثا فانيا محدودا عاجزا، وهو جل شأنه الرب الأعلى، الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء. ذو المشيئة المطلقة، والقدرة القاهرة، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
أصّلت السورة ما لتلك العقيدة من أثر على جميع الاعتبارات الدينية والدنيوية، وتدرجت بالفكر من كيفية نشأة الكون، ومراحل خلقه تثبيتا للنبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة إعراض قومه عنه وتفنيدهم لرسالته، وترسيخا لثبات النبي صلى الله عليه وسلم.
من أبرز دروس سورة الأنعام أنها تُشير إلى حقيقة التقوى وأنها لا تكون بحرمان النفس من الطيبات، وإنما بإلجامها وصدها عن المحرم من الشهوات التي تحول بينها وبين الكمال الخلقي والتزكية الوجدانية، وفي هذا أكدت السورة أن منهج القرآن في عرض ميزان التفاوت ومعيار التفاضل بين الناس قائم على التقوى ومستوى التطبيق والانتساب إلى دين الله تعالى.
اقرأ أيضًا:
المصادر: