تتفاوت الأحاديث في قوَّة صحَّتها وضعفها، فأعلاها درجة هو الحديث الصحيح، وأدناها درجة الموضوع أو المكذوب، ولكن ما يهمُّنا اليوم الفرق بين أعلى درجتين، وهو الفرق بين الحديث الصحيح والحسن، وسنُقدم في هذا المقال الإجابة الكاملة عن الفرق بينهما.
الفرق بين الحديث الصحيح والحسن
ينقسم الحديث إلى قسمين، السَّند والمتن، والسَّند هو سلسلة الرجال الذين تناقلوا المتن من رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى أن وصلنا، والمتن هو ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام.
من الأمثال على ذلك (حدَّثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال حدَّثنا سفيان قال حدَّثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنّه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنّما الأعمال بالنيِّات وإنما لكلِّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”).
ما كان قبل علامتي التنصيص يُسمَّى بالسَّند، وما كان بين علامتي التنصيص هو المتن، حيث إنّ العلماء يحكمون على درجة الحديث من “السَّند”، فإن توافرت شروط الحديث الصحيح في السّند، فهو صحيح، وكذلك بالنِّسبة للحديث الحسن والضعيف وغيره.
الحديث الصحيح
عرَّف الدُّكتور محمود الطحان وغيره من مجموعة من العلماء الحديث الصحيح بما يلي:
الحديث الصحيح لغةً: ضدُّ السَّقيم. وهو حقيقة في الأجسام، مجازٌ في الحديث، وسائر المعاني.
الحديث الصحيح اصطلاحاً: ما اتصل سنده بنقل العدل الضَّابط، عن مثله إلى منتهاه، من غير شذوذ، ولا عِـلَّـة.. انتهى التَّعريف، ونرى هنا أن التَّعريف الاصطلاحي احتوى على عدَّة أمور مشروطة في كلِّ راوٍ من الرُّواة، وهي ما يجب توافرها بهم، وسنشرحها الآن.
-
- ما اتِّصل سَّنده: وهو أن يكون كل راوٍ من الرُّواةِ الحديث قد أخذ وسمع مباشرةً من شيخه الذي فوقه، من أول السَّند إلى نهايته.
- عدالة الرُّواة: وهي صفاتٌ مشروطة في الرواة، أي يجب أن يكون كل راوٍ من الرواة مسلماً، وبالغاً، وعاقلاً، وغير فاسقٍ، و غير محروم المروءة.
- ضبط الرُّواة: وهو أن يكون كل راوٍ من رواته كاملاً وتامّاً لضبطه، وهذا يشمل ضبط صدره، أي حفظه القويّ، أو ضبط كتابه، أي يجب أن يكون متقناً لكتابه الذي كتب عليه هذا الحديث بسنده ومتنه، وأن يكون متقناً لقراءته، وأن يُعرف عنه محافظته لكُتُبه.
- عدم الشُّذوذ: وهو ألّا يُخالف الثِّقة من هو أوثق منه، فإن خالف من هو أقلُّ درجةً بالثِّقة من كان أعلى درجةً بالثِّقة فإننا نقول إنه شذَّ.
- عدم العِلَّة: وهي أن يكون هناك سببٌ خفيٌّ غامضٌ يقدح في صِحَّة الحديث، مع أنَّ الظاهر من الحديث السَّلامة من الضَّعف، فإن رأى العالم الناقد الفذُّ الخبير وجود علَّةٍ في الحديث، ولم يبين سبب هذه العِلَّة، ولكنه اعتمد على الخبرة والعلم والمعرفة الواسعة في الحديث.
الحديث الحسن
إنَّ الحديث الحسن في اللغة هو الكلام الحسن الجيد، أمَّا في الاصطلاح فتعريف الحديث الحسن هو الحديث الذي جاء عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقد رواه مجموعة من الرواة العُدول، ولكنه لا يرقى إلى درجة الحديث الصحيح ولا ينزل إلى مرتبة الحديث الضعيف فهو بينَ بين، وهو حديث نبوي سليم من الشذوذ والعلل.
وقد عرّفه ابن كثير بقوله: “وهذا النوع لما كانَ وسطًا بين الصحيحِ والضعيفِ في نظرِ الناظرِ، لا في نفسِ الأمر، عسر التعبير عنه و ضبطُهُ على كثيرٍ من أهلِ الصِّناعةِ، وذلك لأنَّه أمر نسبيٌّ، شيءٌ ينْقَدِحُ عندَ الحفاظ، ربما تقصُرُ عبارَتُهُ عنْهُ”.
وفيما يتعلّق بالحديث الحسن فإنَّه لا يكون الحديث الشريف حديثًا حسنًا إلَّا إذا اجتمعت فيه الشروط الآتية، وهي:
- أن يكون الرواي عدلًا، أيْ مستقيمًا صالحًا يُشهد له في الصلاح والاستقامة في الدين والعمل: مسلمًا بالغًا عاقلًا راشدًا سالمًا من الفسق ومن خوارم المروءة.
- أن يشتهر الراوي بعدالته بين الناس.
- أن يشتهر للراوي أحد العلماء -علماء الحديث- يشهد بعدالته دون أن يخالفه في الشهادة أي عالم آخر.
- أن يسلم الحديث من الشذوذ، والشذوذ هو أن يخالف الراوي الثقة من هو أوثق منه.
- أن يكون الحديث سليمًا سلامة تامة من العلل، وهو أن يطرأ أي طارئ على متن الحديث أو على سند الحديث فيؤدي إلى تضعيفه.
لذلك نجد أنَّ جميع الفُقهاء قد احتجّوا بالحديث الحسَن، وأجمعوا على صحّته في الاحتجاج، فكانَ هذا ارتضاءً منهُم لرواية الحديث الحسَن، والأخذ بهِ وليسَ في هذا إشارة لضعفهِ على أيِّ حالٍ من الأحوال.
اقرأ أيضًا:
المصادر: