يتمثل الطابع العام لسورة يونس في العناية بأصول العقيدة الإسلامية وأركان الإيمان حالها حال جميع السور المكية، وقد تميّزت باهتمامها بشكل خاص بالرسالات السماوية وبالأخص القرآن الكريم خاتم الكتب السماوية والمهيمن عليها، كما تكلّمت بعض الآيات في هذه السورة الكريمة عن الآيات الكونية وأشارت إلى أنّ الحياة والموت شبيهان بإنبات النبات وحصده، وفي هذا السياق يتساءل الكثيرون عن معنى آية حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت الواردة في سورة يونس.
معنى آية حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت
ضرب الأمثال هو سمة بارزة من سمات الخطاب القرآني فالله -عزّ وجلّ- يُشبّه مثالًا حاضرًا وصورةً واضحة بأخرى غائبة، والأمثلة على هذا كثيرة ومنها قوله تعالى في سورة يونس: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
يُشبّه القرآن الكريم زينة الحياة الدنيا في سرعة زوالها بنزول المطر من السماء إلى الأرض، ثمّ إنبات النبات في الأرض واختلاط أنواعه ببعض فإذا ظهر حُسن الأرض وجمالها واعتقد أصحابها أنّهم سيجنون ثمرها ويحصدون زرعها أمر الله بإهلاكها فهلك النبات وقُلع كأنّه لم يكن موجودًا من قبل.
وفي معنى آية حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت يقول الإمام الطبري أي: ظهر حسنها وبهاؤها، وازيّنت أي تزينت، وذكر قول قتادة في تفسير هذه الآية حيث قال في معنى “وازينت” أي: أنبتت وحسنت، وقال أيضًا: “حتى إذا أخذت الأرض زخرفها” أي: والله، لئن تشبّث بالدنيا وحدب عليها، لتوشك الدنيا أن تلفظه وتقضي منه.
قال القرطبي أنّ معناها إظهار الأرض لحسنها وزينتها، والزخرف هو كمال حسن الشيء، ومنه قيل للذهب زخرف، وعليه فيكون معنى الآية أنّ الأرض قد أظهرت حسنها بألوان النبات المختلفة، وتزينت بأنواع الحبوب والأزهار والثمار المتعدّدة الأشكال والمختلفة الألوان، وأصل الزخرف مأخوذ من الزينة المزوّقة والذهب.
وفي بيان معنى آية حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت يقول الإمام الرازي: أنّ الزخرفة هي عبارة عن كمال حسن الشيء، وفي كون الأرض قد أخذت زخرفها تشبيه لها بالعروس التي تلبس الثياب الفاخرة من كل لون، وتتزين بجميع الألوان الموجودة لديها من أحمر وأخضر وأصفر وأبيض وذهبي، وعندما يصبح البستان كذلك وتزدهر الأرض بهذه الألوان الرائعة يكون فرح صاحبه به في أقصى حدٍّ له ويتأمل بالانتفاع به ويتعلّق قلبه بذلك، ثمّ تأتي آفة عظيمة فتهلك ذلك البستان ويكون حزن صاحبه عليه شديدًا جدًا وهو بتلك الصورة وعلى هذه الهيئة.
ويُفسر ابن كثير هذه الآية فيقول أنّ الأرض بعد أن تُخرج زينتها الفانية وتُظهر حسنها بما أخرجته من رُباها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان ويظن زارعوها أنّهم قادرون على حصادها تأتيها ريحٌ باردة أو صاعقة فتصبح يابسة وكأنّها لم تكن حسنة وجميلة من قبل.
اقرأ أيضا: معنى آية فبأي آلاء ربكما تكذبان
فوائد من آية حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت
- من الفوائد اللُغوية المستخلصة من هذه الآية الكريمة أنّ الإدغام في قوله “وازيّنت” يدلّ على أنّ من الزينة ما هو واضح وظاهر للعيان ومنها ما مخفي عن الأبصار فالأرض غنية بالخيرات التي خلقها الله -عزّ وجلّ- لتلبية حاجة البشر وغيرهم من المخلوقات في الغذاء.
- إنّ في ذكر الله تعالى لهذه الصور بهذا الشكل المتوالي وضرب الأمثال وتشبيه الأشياء ببعضها سبب في قوة اليقين وموجب لزوال الشك والشبهة.
- يجب على الإنسان أن يُدرك أنّ بلوغ القمة هو نذير باقتراب النهاية فلا يغتر بنفسه ويحسب أنّه يملك من أمره شيء فالأمر كلّه بيد الله ومهما حقّق الإنسان من المجد ومهما بلغت الأمم من الازدهار والتطور فسوف يأتيها زمن ينهار كل شيء فهذه سنّة الله في كونه والتاريخ والواقع المُشاهد خير دليل على هذا.
- أمر الله تعالى في نهاية الآية الكريمة بالتفكر في بدائع قدرته وإعجازه في خلقه وهذا التفكر هو الذي سيؤدّي بهم إلى إدراك حقيقتهم الفانية، ويجعلهم يبرئون من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته، فيشكرونه على نعمه ويعملون لآخرتهم فالدنيا هي مرحلة مؤقتة والخلود سيكون في الآخرة والعاقل هو من يُقدّم الباقي على الفاني.
- الاغترار بالدنيا والتمسّك بها من الطباع التي لا تُحمد عاقبتها فكلّما زاد التمسّك والاعتداد بأمر الدنيا وملذاتها كان الإنسان إلى الموت أقرب، فإعمار الأرض بطاعة الله وجميع أنواع الخير هو من خصائص الأمة المحمدية فالشرائع الإسلامية تدعو إلى العمل النافع المفيد للبشرية جمعاء، ولكن تُقيّد ذلك كلّه بعدم حب الدنيا بشكل مبالغ فيه وجعلها هي الهدف والغاية.
- الزهد لا يعني ترك العمل والركون للكسل والعيش عالة على الناس وإنّما يعني سمو الأهداف بعدم جعل الأعراض الدنيوية والمكاسب المادية هي الهدف الرئيس، وإنّما التطلّع إلى ما هو أسمى وأرفع من جزيل الثواب عند الله والفوز بحبّه ورضوانه.
- الرضا والصبر عند المصائب والكروب لا تتحمّله إلّا النفس المؤمنة بقضاء الله المدركة تمام الإدراك لحقيقة زوال الدنيا وهلاك البشر جميعًا مهما كانت قوتهم وجبروتهم.
اقرأ أيضا: معنى آية فاليوم ننجيك ببدنك