يقول الله تعالى في سورة يونس واصفًا فرعون الذي تجبّر وادّعى الألوهية:: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}، ويتساءل الكثيرون عن معنى آية فاليوم ننجيك ببدنك وما تُرشد إليه من فوائد وهدايات.
معنى آية فاليوم ننجيك ببدنك
إن معنى آية فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية أي نجّى الله تعالى بدن فرعون بعدما أصبح جثة هامدة ليكون عبرة لبني إسرائيل ولمن سمع بقصّته إلى يوم القيامة.
ويرتبط معنى هذه الآية الكريمة بما سبقه من آيات تُشير إلى أن فرعون قد لحق بموسى -عليه السلام- وبني إسرائيل لمّا أتاهم الأمر الإلهي بالخروج من مصر بصحبة موسى وهارون -عليهما السلام- بغية قتلهم وردّهم إلى تحت عبادته.
ضرب موسى عليه السلام البحر وفُتح لبني إسرائيل طريقًا في البحر فسار فرعون وراءهم فأطبق عليه وعلى جنوده البحر فأُغرقوا جميعًا، فعندما رأى فرعون نفسه غارقًا لا محالة وأدرك حقيقة ضعفه وأنّ ربوبيّته المزعومة وطغيانه وجبروته وجنده وعزّه الذي ابتغاه ظلمًا وعلوًّا وكلّ ما كان يعلو به فوق الناس عندما أدرك أنّ كلّ ذلك لا يُنجيه من الغرق أدرك حقيقة وجود إله هو القاهر فوق عباده وهو الذي أنجى موسى -عليه السلام- وقومه.
أيقن فرعون أنّه هالك، وحينئذٍ لا تُقبل التوبة، فأمسك جبريل -عليه السلام- من حمأ البحر ودسّه في فمه لئلّا تدركه رحمة الله تعالى، فقد روى الإمام الترمذي في سننه أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “لَمَّا أَغْرَقَ اللهُ فرعونَ قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ. فقال جَبْرَئِيلُ: يا مُحَمَّدُ لو رَأَيْتَنِي وأنا آخُذُ من حالِ البحرِ وأَدُسُّه في فِيهِ مَخَافةَ أن تُدْرِكَه الرحمةُ” وقد كان ذلك في يوم عاشوراء كما قال أهل التفسير.
عندما غرقِ فرعون وهلاكه شكّ بعض بني إسرائيل أنّ فرعون لم يمُت، فأمر الله -تعالى- البحرَ أن يلفظ جثّة فرعون ليراها الناس وهو جثّة هامدة لا روح فيها.
لو كان فرعون إلهًا كما يدّعى لنجّى نفسه من الغرق ولأمر البحر أن يكفّ عن ذلك، ولكنّه إنسانٌ فانٍ كباقي البشر الذين خلقهم الله -تعالى- وكتب يوم موتهم قبل ولادتهم وقبل نفخ الروح فيهم، بل وقبل خلق الأكوان.
وقد أُلقي فرعون على نجوة من الأرض؛ وهو المكان المرتفع، وقيل بل رُمي على ساحل البحر فور خروج بنو إسرائيل؛ ذلك أنّه عندما دخل فرعون وجنوده البحر خلف بني إسرائيل اقتضت حكمة الله أن يدخلوا جميعًا، فوافق خروج آخر فرد من بني إسرائيل دخول آخر جنديّ من جنود فرعون، وهنا أمر الله البحر فأطبق عليهم، فعندها ظنّ بعض بني إسرائيل أنّ فرعون لم يمت، فرماه البحر على الساحل بهيئته التي يعرفون وقد كان فرعون قصيرًا أحمر كأنّه الثور الأحمر كما حكى بعض المفسّرين، وكذلك كانت عليه درعه التي يعرفون.
وأمّا من يقول إنّ معناه أنّ جثّة فرعون ستبقى آية للنّاس إلى يوم القيامة من حيث بقاؤها ورؤية الناس لها فكلامه غير دقيق لأنّ الجُثّة المعروضة اليوم في بعض المتاحف لا يلزم أن تكون جثة فرعون على وجه الدقة، وحتّى إن كانت جثّته فالكلام في الآية موجّه لبني إسرائيل الذي بقوا أحياء بعد هلاك فرعون وعاينوا جثّته بأعينهم.
يختم -تعالى- الآية بقوله: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}، يعني أنّ كثيرًا من الناس مهما رأوا من الآيات التي تدلّ على عظمة الله -تعالى- وأنّ الألوهيّة لا تنبغي إلّا له جلّ وعلا، وأنّه هو المدبّر لأمر هذا الكون وغيره من خلق الله -تعالى- يبقون معرضين ساهين غافلين عن تدبّر آيات الله والنظر لها بعين القلب والعقل، فيمرّون عليها كأنّهم لم تكن، وأولئك هم الذين عميت أبصارهم وبصائرهم عن الحق فكانوا كالفرعون.
وأمّا من كان له عقل وقلب وكان يتفكّر في آيات الله -تعالى- فإنّه يدرك من الدلائل على عظمة الخالق ما لا يحصى، ولسان حاله يقول تبارك الله أحسن الخالقين، والله أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية فبأي آلاء ربكما تكذبان
فوائد من آية فاليوم ننجيك ببدنك
- لعلّ الثمرة الكبرى التي يمكن إفادتها من هذه الآية هي أنّ مصير الطّغاة إلى زوال، ومهما تمادى الطاغية وادّعى القوّة والجبروت فهو -لا بدّ- آيلٌ إلى السقوط.
- إنّ الفرعون هنا ليس فقط فرعون موسى عليه السلام، وإنّما هو كلّ من تفرعن وسوّلت له نفسه أن يظلم النّاس بسطوته وكثرة جنده، ففرعون اسم لجمعٍ كبيرٍ من الطّغاة على مرّ العصور، فالمصير واحد مهما تعدّدت الأسماء، ومن ظنّ أنّه قد نجا من ذلك المصير في الدنيا فهو لا شكّ ملاقيه في الآخرة.
- تلفت هذه الآية النظر إلى مصير من يحارب الله ودينه، ولعلّهم يأخذون العبرة من فرعون ذي الأوتاد، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.
اقرأ أيضا: من هو وزير فرعون