تضمنّت سورة الفرقان الحديث عن مقاصد القرآن الكريم والرسالة المحمدية، فقد تحدّثت عن توحيد الله وعن تكذيب الكافرين وحججهم وبيّنت حال المؤمنين بالله المصدقّن برسله، وفيها بيان للحجج والبراهين على صدق دعوة النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، ويكثر البحث عن معاني آيات هذه السورة المباركة وخاصةً معنى آية قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم الواردة في ختام السورة.
معنى آية قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم
ختم الله تعالى سورة الفرقان بأمر الرسول أن يقول للكفار المكذبيّن كلمة جامعة تُزيل من نفوسهم التكبّر والغرور وتجعلهم يدركون مدى ضعفهم وضآلة شأنهم، وأنّ إرسال الرسل ما هو إلّا رحمةً من الله بخلقه، ليُصلح حالهم ويقطع عذرهم كما أنّ عاقبة التكذيب والإعراض ما هي إلّا استحقاق عقاب الله العظيم، حيث قال تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}.
وتُعد هذه الآية إرشادًا من الله إلى رسوله وجميع الدعاة الذين يُلاقون من أقوامهم التكذيب والإعراض والكفر والجحود رغم كل محاولات الإقناع وأساليب التذكير التي استخدمها رسول الله ومن تحمّل مهمة الدعوة واقتدى برسول الله وسار على نهجه.
يقول ابن كثير في بيان معنى آية قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم بشكل إجمالي أنّ الله تعالى لا يُبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه وتحققوا الغاية التي خُلقتم لأجلها، فالله سبحانه قد خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبّحوه بكرةً وأصيلًا.
ومن المفسرين من قال أنّ معنى “ما يعبأ بكم ربي”، أي: ما يفعل بكم ربي، كما روى عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنّ معنى قوله: “قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم”، أي: لولا إيمانكم، وقد بيّن الله تعالى أنّه لا حاجة له بالكافرين فلم يخلقهم مؤمنين، ولو كان له بهم حاجة لحبّب الإيمان إلى نفوسهم كما هو حال أهل الإيمان والتقوى.
وذكر أهل التفسير الكثير من التفصيلات المهمّة واللطائف الدقيقة حول هذه الآية، فمعنى يعبأ: هو من الاكتراث والمبالاة وأصله من العبء وهو الثقل والحمل، وقد اختلف أهل العلم في المصدر “لولا دعاؤكم” هل هو مضاف إلى فاعله أو إلى مفعوله، وكانت نتيجة هذا الخلاف وجود أقوال عدّة في تفسير هذه الآية:
القول الأوّل أنّ معنى قوله “لولا دعاؤكم”، أي: عبادتكم لله وحده -عزّ وجلّ- وعلى هذا فإنّ الخطاب عام يشمل الكافرين والمؤمنين ثمّ تمّ إفراد الكافرين في قوله: “فقد كذبتم فسوف يكون لزامًا” وهذا القول هو أظهر الأقوال والأكثر شهرة وقد قال به معظم أهل التفسير، ويدلّ عليه الآيات التي تبيّن ما أعدّه الله تعالى لعباده الطائعين من الثواب وما أعدّه للكفار من العقاب.
أمّا القول الثاني أنّ معنى “لولا دعاؤكم”، أي: لولا دعاؤكم إيّاه وتضرعّكم له وحده حال الشدّة والكرب، أي أنّكم ترجعون وتعودون إلى الكفر والشرك بعد أن يكشف الله الضرّ عنكم.
والدليل على هذا القول هو قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا}، وغير ذلك من الآيات الكريمة التي وردت في سور القرآن الكريم وتدلّ على إخلاص الكافرين في الدعاء عند الشدّة وتركهم لعبادة الله عند الرخاء وانفراج الكرب.
والقول الثالث أنّ المعنى هو ما يصنع الله تعالى بعذابكم لولا أنّكم تدعون معه آلهةً أخرى، وقد قال المفسرون أنّ هذا القول بعيد لأنّ فيه تقدير ما لا يوجد دليل على تقديره، ولا حاجة إليه، ودليله قوله تعالى في سورة النساء: {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}، فهذه الآية تبيّن أنّ العذاب يترتّب على عدم الإيمان وترك الشكر.
أمّا القول الرابع وهو المستند إلى كون المصدر مضافًا إلى مفعوله، فهو: أنّ الله تعالى لا يعبأ بالكفّار لولا دعاؤه إيّاهم على ألسنة الرسل الكرام، وعلى ذلك فإنّ معنى الدعاء هو دعوة الله لعباده بإرسال الرسل وإقامة الحجة.
وتكثر الأدلة على هذا القول، ومنها قوله تعالى في سورة هود: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، فالله تعالى يُريد أن يختبر عباده ويُقيم عليهم الحجة ثمّ يحاسبهم على هذه الأعمال.
اقرأ أيضا: معنى آية وعجلت إليك رب لترضى
فوائد من آية قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم
إنّ الثمرات المستفادة من آية قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم، كثيرة جدًا وهي فوائد لغوية وتربوية وشرعية، وفيما يأتي ذكرٌ لجملة من هذه الفوائد والثمرات:
- الخطاب في قوله “قل” لكفار قريش ومن على شاكلتهم من أهل الكفر والعناد والإعراض عن الوحي السماوي، وقد قال الرازي أنّ الخطاب موجّه لعموم الناس.
- التعبير بقوله “ما يعبأ” أي أنّ الله تعالى لا يعتني بالكفار المعاندين لولا الدعاء.
- إنّ الله تعالى لا يلحقه اعتزاز بإيمان هؤلاء وإنمّا دعوتهم كانت لأجلهم ورحمة بهم.
- إنّ الله تعالى ليس له مصلحة بعبادة الخلق وإنّما هذه العبادة هي لمصلحتهم ولأجلهم.
- إنّ الحكمة من الخلق هي الدعاء والتضرّع لله سبحانه.
- لكل قول من الأقوال المعتبرة في شرح الآية الكريمة أدلّة عليها من القرآن الكريم، فالقرآن يُفسّر بعضه بعضًا.
اقرأ أيضا: معنى آية ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله