قال الله تعالى في سورة طه: {وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} في سياق الحديث عن القرآن الكريم، وعلى كل مسلم أن يعلم جيدًا معنى آية وصرّفنا فيه من الوعيد وتفسيرات العلماء لها إضافةً إلى ما يُستفاد منها من فوائد وهدايات قرآنية جليلة.
معنى آية وصرّفنا فيه من الوعيد
إنّ معنى آية وصرّفنا فيه من الوعيد أي إنّ القرآن الكريم قد أُنزل فيه من الأخلاق والقَصص والحكمة والمواعظ ولا فرق بين ما نزل منه متقدّمًا وما نزل منه متأخّرًا، وقد بدأ تعالى بالتنويه بقصصه ثمّ أتبعه بالتنويه به كليًّا.
وقال بعض المفسّرين إنّ المقصود بالقرآن هنا المقروء أو المتلوّ، وقد صار لفظ القرآن يدلّ على الوحي المُنزل على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المُتعبّد بتلاوته المُعجز ولو بآية منه، وقيل إنّه قد سُمّي قرآنًا لأنّه نُظِمَ بأسلوب سهل التلاوة؛ وذلك لتناسب حروفه وفصاحة وعلوّ تأليفه، وجاءت كلمة قرآن نكرةً لتفيد الكمال، وكأنّه يقول إنّه أكمل ما يُقرأ.
ثمّ ينوّه الله -تعالى- بالقرآن الكريم إذ نزل بلغة العرب، فقال: {وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}، فالمراد هنا المدح؛ لأنّ اللغة العربيّة أوسع اللغات وأكملها وأعلاها وأبلغها وأحسنها وأكملها فصاحة وانسجامًا، وفيه امتنان على العرب أن نزلَ القرآن بلغتهم، وتعريض وتحميق لجهلة العرب من المشركين الذين يحاربون هذا الكتاب الذي نزل بلغتهم.
وقد قال تعالى في سورة الأنبياء كذلك: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، فهذا تعريض صريح بالمشركين الحمقى الذين حاربوا الإسلام.
ولابن كثير الدمشقي كلام جيّد حول مسألة إنزال القرآن الكريم باللغة العربيّة حيث قال: وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتُدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، فكمل من كل الوجوه”.
ثمّ يقول تعالى: {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ}، والتصريف هو التفنين والتنويع، فالله تعالى هنا يقول إنّه قد نزّل في هذا القرآن ألوانا وضروبًا وأشكالًا كثيرة من الوعيد على سبيل التهديد والتخويف.
وذلك يتشابه وقوله تعالى في سورة الأنعام: {انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ}، وقوله تعالى كذلك في سورة الإسراء: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا}.
وكان ذكر الوعيد هنا كما يرى بعض المفسّرين من أجل مناسبة قوله تعالى قبل هذه الآية: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}، ثمّ يقول تعالى في ختام الآية: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}؛ أي إنّ تصريف الوعيد رجاء أن يؤمن أولئك الذين يحاربون الدين، أو أن يذّكّروا ويتّعظوا بما جرى للأمم السابقة التي حاربت الرسل وكذّبتهم، والله أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي
فوائد من آية وصرّفنا فيه من الوعيد
ينبغي الانتباه إلى أنّه تعالى قال في الآية الكريمة {أنزلناه}، وهذا يقتضي أنّ المُنزِل أعلى من المُنزَل إليه، وبالتالي فالتشريعات والأوامر التي تأتي فيه هي أوامر وتشريعات عالية، فكأنّ الخطاب للبشر أن خذوا أوامركم من علٍ ولا تهبطوا إلى تشريعات الأرض فهي ناقصة والكمال في القرآن.
عندما يصف الله -تعالى- القرآن بأنّه عربيّ فذلك لأنّ العرب هم الأمّة التي ستستقبل الدين الجديد، فلا بد أن تكون المعجزة تناسبهم، وقد جاء القرآن معجزًا في كلّ ما فيه وليس فقط على المستوى اللغوي والبياني وإن كان هذا الإعجاز هو الأظهر، ولكنّه معجز كذلك بتشريعاته الكاملة مثلًا.
فلذلك يكون القرآن معجزًا للناس كافّة إلى يوم القيامة، وليس الناس فقط وإنّما الجن معهم؛ وذلك لأنّ العرب قديمًا كانوا يعتقدون أنّ لكلّ شاعر من الشعراء الفحول شيطان مفوّه يلقّنه الشعر، ولذلك فقد دخل الجن مع الإنس في هذا التحدي، ومن أبواب إعجاز القرآن لغير العرب ما حدث مع الأمم التي دخلت الإسلام من غير العرب؛ إذ قد انبهروا بشريعة القرآن الكريم وما يدعو إليه فاقتنعوا ودخلوا في الإسلام وهم كانوا لا يعرفون العربية.
وعندما يذكر تعالى تصريف الوعيد في القرآن فكأنّه يقول إنّه خاطب في هذا القرآن أهواء الناس كافّة، ففي القرآن خطابٌ للأمي والجاهل والعالم والفيلسوف والتقي والمتهتّك، ولذلك كان فيه ألوانًا من الوعيد وكذلك ألوانًا من الوعود، فقد وعد الله الصالحين خيرًا، وتوعّد المجرمين بالعذاب، فمن لم يأت بالخير جاء بالعقاب.
وقديمًا قال بعض الصحابة: “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن” ويعني أنّ بعض الناس لضعف إيمانهم لا يرتدعون بأوامر الله ولكن يخافون عقاب السلاطين والحكّام، وكذلك قد خاطب القرآن بالترهيب من لم يأتِ بالترغيب، والله أعلم.
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة طه