سُمِّيت سورة الأنبياء بهذا الاسم؛ لأنها ذكرت في آياتها أسماء معظم الأنبياء والرسل عليهم السلام أجمعين وبعضًا من قصصهم، ويبحث الكثيرون عن معاني آيات هذه السورة الكريمة وخاصةً معنى آية إذ نفشت فيه غنم القوم التي وردت في سياق الحديث عن نبي الله داود وابنه سليمان عليهما السلام.
معنى آية إذ نفشت فيه غنم القوم
قبل البدء في توضيح معنى آية إذ نفشت فيه غنم القوم يجب أولًا ذكر قصة الحرث الذي حكم فيه داود وسليمان -عليهما السلام-، حيث قال تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ* فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}.
وردَ في القصة التي تشير إليها الآية الكريمة السابقة أنَّ رجلًا يملك قطيعًا من الغنم، ودخل القطيع على كرم كانت عناقيده قد أنبتت وتدلَّت، فأفسدت الغنم الكرم وأكلت عناقيده وأوراقه ولم تبقِ شيئًا منها، فجاء صاحب الكرم يشكو أمره إلى داود -عليه السلام- ليحكم له بالحق، فقضى بالغنم لصاحب الكرم، أي أن يأخذ صاحب الكرم الغنم مقابل خسارته في الكرم.
كان لسليمان -عليه السلام- رأي آخر في القضية فقال: غير هذا يا نبيَّ الله، فقال داود: وما ذاك؟، فقال سليمان: تعطي الكرم لصاحب الغنم، فيقوم برعايته ويهتمُّ به حتى يعود كما كان قبل أن يفسد، وتعطي الغنم لصاحب الكرم حتى يستفيد منها حتى يعود الكرم كما كان، وعندها يأخذ صاحب الكرم كرمه، وتعود الغنم إلى صاحبها.
من هنا جاء قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}، وكان هذا الحكم الأقرب للصواب مع العلم أنَّ الله آتى داود وسليمان العلم والحكمة كما قال تعالى، وهكذا رويت القصة عن ابن مسعود وعن ابن عباس رضي الله عنهما.
وعلى ذلك يكون معنى آية إذ نفشت فيه غنم القوم أي إذا رعَت الغنم في الكرم الذي نضجت عناقيده، والنفش هو الرعي كما قال ابن عباس، وأشار الزهري وقتادة إلى أنَّ النفش هو الرعي في الليل والهمل هو الرعي في النهار.
وقد ذهب بعض المفسرين من العلماء إلى أنَّ النفش هو الرعي في الليل ولكن من دون راعٍ يرعى الغنم، وكذلك الهمل في النهار، لذلك قال تعالى: {فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ}، في إشارة إلى أنَّ الغنم رعت الكرم ليلًا وأفسدته من دون راعٍ، ورغم أنَّ ابن عباس وابن مسعود وأكثر المفسرين ذهبوا إلى أنَّ الحرث كان كرمًا قد نضجت وتدلَّت عناقيده، إلّا أنَّ قتادة رآى بأنَّ الحرث كان زرعًا.
وفي تفسير السعدي -رحمه الله- أنَّ الغنم رعت ليلًا الحرث فأكلت أشجاره ورعت زرعه، في إشارة إلى الحرث كان شجرًا وزرعًا، وتحاكم صاحب الغنم وصاحب الحرث إلى داود عليه السلام، فقضى بأن يأخذ صاحب الكرم الغنمَ مقابل الحرث الذي أفسدته الغنم، ولكنَّ سليمان رآى أنَّ الأقرب إلى الصواب أن يُعطى البستان إلى صاحب الغنم حتى يعود كما كان قبل أن يفسد، ويأخذ صاحب الحرث الغنمَ خلال تلك الفترة ويستفيد منها، حتى إذا عاد الحرث كما كان أخذ صاحب الغنم غنمه وأخذ صاحب الحرث حرثه كما كان.
وتدلّ هذه القصة على كمال فطنة وفهم سليمان كما سبقَ في قوله تعالى، وهذا لا يعني أنَّ داود لم يفهم القضية، ولكنَّ الله له حكمة في ذلك في اكتمال حكمها على يد نبي الله سليمان -عليه السلام، وقد أشار تعالى بعد ذلك إلى أنَّ كليهما قد آتاه الحكمة والعلم، حيث قال تعالى: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية وبالأسحار هم يستغفرون
فوائد من آية إذ نفشت فيه غنم القوم
- لقد حفظ الله تعالى مال المسلم كما حفظ جميع حقوقه وممتلكاته، ولذلك لا يجوز الاعتداء على أملاك الغير ولا الأخذ منها ما لم يأذن صاحب المال أو المُلك.
- يجب على كل من يتولَّى الحكم في أمور الناس والخلافات التي قد تقع فيما بينهم أن يكون ذا حكمةٍ وعلمٍ، اقتداءً بأنبياء الله تعالى.
- إنّ العدل أساس الحكم، ولا يقبل الله تعالى من الحاكمين إلّا العدل.
- يجب على من يعتقد أنَّ حكمًا ما فيه ابتعادٌ عن الحق أن لا يسكت على ذلك، بل يجب عليه أن يعترض ويقدِّم الحكم الأقرب للصواب، وفي حكم سيدنا سليمان -عليه السلام- إشارة إلى ذلك.
- تقع مسؤولية نفوش الغنم على الزرع نهارًا على صاحب الزرع ولا يتكفل صاحب الغنم بأي خسارة، لأن صاحب الزرع في النهار يكون مسؤولًا عن حرثه، وأمَّا إذا نفشت الغنم ليلًا فإنَّ المسؤولية تقع على صاحب الغنم، لأنَّه مسؤول عن خروجها ليلًا وإفسادها للحقول.
- كل إنسان يخطئ ويصيب، فمن اجتهد وأخطأ له أجر، ومن اجتهد وأصاب فله أجران.
- إنّ صلاح أحوال المسلمين وإيجاد حلول للخلافات التي تقع فيما بينهم لا يكون إلا من خلال اللجوء إلى قضاةٍ حكماء وأصحاب علمٍ ورأي يحكمون بين الناس بالعدل، فلا يمكن التوصل إلى الحلول من خلال عنف والقوة التي تثير الفتن بين المسلمين وتصل بهم إلى أن يقتل بعضهم بعضًا.
اقرأ أيضا: معنى آية وأما السائل فلا تنهر