قال الله تعالى في سورة الذاريات في وصف حال المتقين: {كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، ويزيد البحث عن معنى آية وبالأسحار هم يستغفرون وفضائل الاستغفار بالأسحار الثابتة في الكتاب والسنة النبوية المطهرة، وما يمكن الدعاء به في وقت السحر.
معنى آية وبالأسحار هم يستغفرون
إن معنى آية وبالأسحار هم يستغفرون أي أن هؤلاء المحسنون كانوا قليلاً من الليل ما ينامون، يُصلون لربهم قانتين له، ويرفعون أكف الضراعة إلى الله تعالى يستغفرونه مما فرط منهم من ذنوب، ويلتمسون منه قبول توبتهم وغسل حوبتهم.
ويُعد وقت السحر من خير الأوقات التي يستحب العباده بها وذكر الله، واجتهد العلماء في معرفة وقت السحر، وما توصلوا إليه أنها الوقت الذي يبدأ من الثلث الأخير من الليل إلى قبيل طلوع الفجر.
ولا يبقى وقت السحر كما هو طوال السنة، بل يختلف باختلاف الفصول وطول الليل والنهار، وبما أنه تم تقسيمهما إلى اثنتي عشر ساعة بالتساوي، فهذا يدلّ على أن ساعات السحر في الشتاء أطول من ساعات السحر في الصيف، وهذا الوقت الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل ينزل فيه للأرض، ويستجيب دعوات الداعيين ويغفر للمستغفرين.
وبما أن الله قد خص بعض الأماكن للعبادة، كذلك خص بعض الأوقات التي يحب أن يتقرّب إليه العبد فيها، وما نفهمه من أغلب الآيات، أن أكثر الأوقات المفضلة لله عند عبادته هي أوقات الظلمة والليل واختلاء العبد بربه، فذكر في روايات عديدة أن الله رفع العذاب والشدة عن أهل الأرض، كرامةً لأولئك الذين يستغفرونه ويعبدونه في الليل وفي أوقات السحر، بل وثبت في بعض الأخبار أن صوت المستغفرين في الأسحار من الأصوات التي يحبها الله.
قال الإمام الرازي: وفى الآية إشارة إلى أنهم كانوا يتهجدون ويجتهدون، ثم يريدون أن يكون عملهم أكثر من ذلك، وأخلص منه، ويستغفرون من التقصير، وهذه سيرة الكريم: يأتى بأبلغ وجوه الكرم ويستقله، ويعتذر من التقصير، واللئيم يأتى بالقليل ويستكثره، وفيه وجه آخر ألطف منه: وهو أنه تعالى لما بيّن أنهم يهجعون قليلاً، والهجوع مقتضى الطبع. قال (يَسْتَغْفِرُونَ} أى: من ذلك القدر من النوم القليل.
مدح الله تعالى المتقين في هذه الآية الكريمة بالهجوع ولم يمدحهم بكثرة السهر؛ للإشارة إلى أن نومهم عبادة، حيث مدحهم بكونهم هاجعين قليلاً، وذلك الهجوع أورثهم الاشتغال بعبادة أخرى، وهو الاستغفار، فى وجوه الأسحار، ومنعهم من الإعجاب بأنفسهم ومن الاستكبار.
اقرأ أيضا: معنى آية فبأي آلاء ربكما تكذبان
فضل الاستغفار بالأسحار
للاستغفار بالأسحار فضل عظيم حيث وردت آيات وأحاديث تُبيّن فضل الاستغفار بالأسحار وتُرغّب فيه ومنها ما يأتي:
- قال تعالى في سياق ذكر أفعال مستحقي الجنة والنعيم في الآخرة: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} حيث يمتدح الله تعالى في هذه الآية المستغفرين وقت السحر وأنهم استحقوا الجنة جزاءً لطاعتهم واستغفارهم، وهذا الاستغفار قد يكون قولاً باللسان، أو صلاةً وتهجداً وقياماً لليل طلباً للعفو والغفران.
- قال تعالى واصفًا عباده المطيعين: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}، فقد حرص السلف الصالح على الإكثار من الاستغفار بالأسحار، فكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقضي ليله في الصلاة فإذا صار وقت السحر جلس يستغفر، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: “أمرنا أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة”.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له” (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 7494 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] )) والنزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل يزيد في مظنّة استجابة الاستغفار وشمول العبد بالغفران والعفو والرحمة.
اقرأ أيضا: معنى آية رب لا تذرني فردًا
أدعية الاستغفار بالأسحار
- اللهم إني أستغفرك وأدعوك وأطلب رحمتك وعفوك وغفرانك.
- ربِ اغفر وارحم وتجاوز واصفح، وتجاوز ذنوبي واستر عيوبي.
- اللهم اغفر لي وهب لي منك رحمةً ولُطفاً في دُنياي وآخرتي.
- يا ربي إني عبدك الفقير الذي يلتجئ إليك في هذا الوقت المبارك طالباً للمغفرة ومُعترفاً بالذنب والزلل فاغفر له وتُب عليه.
- إلهي إن لم تغفر لي وترضى عنّي فمن يغفر ويرضى، يا ربي ارحم ضعفي وامحُ ذنبي وتجاوز عن جهلي وإسرافي في أمري.
- أستغفرك ربي وأتوب إليك وأسألك الثبات ودوام الطاعة ورسوخ الإيمان.
- اللهم اجعل لي من عفوك نصيب ومن مغفرتك جزءً وألبسني لباس العافية وابعد عني الذنوب والمعاصي.
- اللهم أرشدني لما فيه صلاح أمري واغفر لي إن اتبعت هواي وضللت وزللت وردّني إليك رداً جميلاً إذا ما ابتعدت وتهاونت.
- اللهم إنك تعلم أني أطمع بالعفو منك وبالمغفرة والرحمة، اللهم لا تردني في هذا الوقت أنت رحمن السماوات والأرض، اللهم إني عبدك الطامع بعفوك فلا تتركني.
اقرأ أيضا: معنى آية وعجلت إليك رب لترضى