وردت في سورة البقرة آية كريمة تتحدث عما حدث لأصحاب السبت، ألا وهي قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}، ويسأل الكثيرون عن معنى آية ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت وقصة أصحاب السبت وما ترشد إليه هذه الآية من فوائد.
معنى آية ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت
قبل بيان معنى آية ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في الست فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين، يجب التعريف أولًا بأصحاب السبت، فهم جماعة من بني إسرائيل، عاشوا في قرية من قرى بني إسرائيل المطلة على البحر، وعلى ذلك فمن الطبيعي أن يكون عمل أغلب أهلها في صيد الأسماك.
تبدأ قصة أصحاب السبت من حيث إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- حرّم عليهم الصيد يوم السبت ثمَّ ابتلاهم بكثرة الحيتان في هذا اليوم حتى أنَّه كان باستطاعتهم صيدها باليد؛ وكان نتيجة ذلك أن أصرَّ بعض أهل هذه القرية على الصيد فقاموا بعمل حيلة وهي وضع الشباك يوم الجمعة لتمتلئ بالحيتان يوم السبت، ثمَّ يقومون بإخراج ما تمَّ اصطياده يوم الأحد، وعندما قاموا بشوائها تسائل النَّاس فقاموا بإخبارهم.
حينها انقسم المجتمع إلى ثلاثة أقسام، قسمٌ أعجبتهم الحيلة وقاموا بتطبيقها، وقسمٌ كرهها، وقسمٌ أغضبهم ما فعل القسم الأول فقاموا بنصحهم وإرشادهم واستمروا على ذلك، لكن عندما أصرَّ القسم الأول على عنادهم قام أهل الإصلاح بمغادرة القرية وبناء سورٍ بينهم وبين العصاة، وعندها عاقب الله -عزَّ وجلَّ- هؤلاء العصاة بمسخ شيوخهم إلى خنازير، وشبابهم إلى قردة.
وعلى ذلك فإنَّ المعنى الإجمالي لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}، أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يخاطب اليهود قائلًا لهم: لقد علمتم وأدركتم ما حلَّ بأهل القرية التي عصت -الله عزَّ وجلَّ- عندما خالفوا العهد والميثاق الذي أخذه الله منهم بتعظيم يوم السبت، فكان نتيجة هذا العصيان أن أنزل الله -عزَّ وجلَّ- بهم العقوبة حيث إنَّه مسخهم إلى قردة ذليلين مهانين.
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ القردة والخنازير الموجودة الآن ليست من نسلهم، وذلك لأنَّ الله لم يجعل لممسوخٍ نسلًا، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ اللهَ تعالَى لم يجعلْ لمسخٍ نسلًا ولا عقبًا وقد كانت القردةُ والخنازيرُ قبلَ ذلك”. (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 2663 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
ولا بأس في هذا المقام من ذكر أقوال بعض العلماء في تفسير الآية الكريمة، للمزيد من الفائدة، وفيما يأتي ذلك:
- تفسير البيضاوي: أنَّ الآية الكريمة تتحدث عن قومٌ من بني إسرائيل في زمن داوود -عليه السلام- كانوا مشتغلين بالصيد، فحرَّم الله -عزَّ وجلَّ- عليهم الصيد يوم السبت وأمرهم بالانقطاع للعبادة فيه، ثمَّ ابتلاهم بكثرة الأسماك في هذا اليوم، حتى لجأ بعضهم إلى عمل حيلة لصيد الأسماك فيه، وكان نتيجة ذلك أن مسخهم الله إلى صورة قردة صاغرين مطرودين، وقيل أنَّ المسخ كان لقلوبهم وليس لصورهم.
- تفسير ابن عاشور: في الآية الكريمة تذكيرٌ لليهود بما حلَّ بسلفهم من عقوبة بسبب استخفافهم بأوامر الله -عزَّ وجلَّ- واعتدائهم على العهد الذي أخذوه على أنفسهم بالتفرغ للعبادة في يوم السبت وتفريغ قلوبهم من الدنيا، وسبب هذه العقوبة هو انشغال تفكيرهم بما تحصَّل لهم في هذا اليوم أو لأنَّهم احتالوا بالعمل في اليوم المحرَّم به العمل عليهم، وقد ذكر ابن عاشور أنَّ في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ}، إعجازٌ غيبي إذ إنَّ هذه القصة غير مسطورة عندهم بالتوراة بل هي معروفة عند علمائهم وأحبارهم وقاموا بإخفائه.
اقرأ أيضا: معنى آية غير المغضوب عليهم ولا الضالين
فوائد آية ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت
إنَّ تدبر آيات القرآن الكريم يعدُّ مطلبًا شرعيًا وهدفًا حقيقيًا من أهداف نزول القرآن الكريم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وينتج عن التدبر معرفة ما تُرشد إليه الآيات الكريمة من هدايات وفوائد، ومن أبرز الثمرات المستنبطة عند تدبر قول قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} ما يأتي:
- نقض المرء لعهد الله -عزَّ وجلَّ- يعدُّ كبيرة من الكبائر التي يستحق عليها العقوبة.
- الاحتيال على شرع الله -عزَّ وجلَّ- يعدُّ كبيرة من كبائر الذنوب، وليس أمرًا سهلًا كما يظنُّه البعض، لذلك على المرء الحذر من التحايل في المحرمات.
- إنَّ الاحتيال في الشرع وتسمية المحرمات بغير اسمها لا يغيِّر من حكمها.
- الجزاء من جنس العمل، فكما أنَّهم تحايلوا بوضع الشباك يوم الجمعة واستخرجوا الصيد يوم الأحد، فكان فعلهم في الظاهر حلال وفي الحقيقة حرام، لذا عاقبهم الله -عزَّ وجلَّ- أن مسخهم إلى حيوانٍ في ظاهره أشبه بالإنسان وفي باطنه ليس بإنسان.
- على المسلم عدم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث به النجاة في الدنيا والآخرة.
- على المسلم المصلح ألَّا يسمح للمثبطين من تثبيط عزائمه في الإصلاح.
- نزل القرآن الكريم لعموم النَّاس، ودليل ذلك أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- خاطب اليهود ببعض آياته.
- يظهر صدق إيمان المرء من خلال الابتلاءات، لذلك على المسلم أن يثبت على الحقِّ مهما مهما كانت المغريات.
اقرأ أيضا: معنى آية وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم