بدأت سورة المنافقون بالحديث عن حقيقة المنافقين وهي أنهم يظهرون الإيمان والحب لله ورسوله وهم يضمرون الكفر وكره الإسلام والمسلمين، وبيّن سبحانه أن قلوبهم غلف، طبع الله عليها فهم لا يفقهون ولا يعلمون، ثم ذكر بعد ذلك حال هيئتهم الخارجية وكيف هو شكلهم وقولهم وفعلهم؛ ولذلك يكثر التساؤل عن معنى آية وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم الواردة في وصف المنافقين.
معنى آية وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم
يقول الله تعالى في سورة المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، قوله رأيتهم: من الرؤية بالعين، وهي ما وقع عليه البصر، وتعجبك: مصدرها عجب، وهي الدهشة التي تصيب الإنسان عند استعظام شيء أو استحسانه، وأجسامهم: مفردها جسم، وهي ماله طول وعرض وعمق، وهي في الآية بمعنى جماعة البدن والأعضاء من الناس.
ومعنى آية وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم أي وإذا نظرت إلى هؤلاء المنافقين تعجبك هيئاتهم ومناظرهم، وذلك لأن طلعتهم بهيّة ومظهرهم جذّاب؛ قخلقتهم سويّة وصورتهم حسنة، ولكنهم خواء كالطبل الأجوف أجساد بلا عقول.
ثم قال سبحانه في وصف قولهم: {وإن يقولوا تسمع لقولهم}، ويقولوا: جذرها قال، وهي كل قول صدر من اللسان تامًا أو ناقصًا، أو اللفظ الذي يبنى منه الكلام، وتسمع: السمع هو حس الأذن، والمراد به الإصغاء للحديث أي وإن يتحدثوا تسمع لحديثهم؛ لفصاحة ألسنتهم.
وقال ابن عباس: “كان عبد الله بن أبي وسيمًا جسيمًا صحيحًا صبيحًا ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته”، أي أن المنافقين مفوّهين يجيدون الكلام والإبانة وعندهم من المنطق ما يجعلك تصغي إليهم وتستلذّ بسماع قولهم، وفي هذا توضيح لمن يغرّه شكلهم بأن الأجساد أجساد رجال والعقول كالأنعام بل هم أضل.
ووصف الله المنافقين، بقوله سبحانه: {كأنهم خشب مسندة}، قرأ الجمهور خُشُب- بضمتين- وقرأ ابن كثير والكسائي بضمة فسكون، أي خُشْب، والمراد أن المنافقين كألواح الخشب المائلة على الحائط ولكن لا فائدة منها في تشييد سقف أو إقامة جدار، والمنافقون كذلك فهم أجساد فيها من الطول والعرض ولكن ما هي إلا الضرر المحض.
وقوله تعالى: {يحسبون كل صيحة عليهم}، هنا يكشف الله خبيئة من خبايا نفوس المنافقين وهي الخوف والجبن الذي يصاحبهم طيلة وقتهم، وهم يتظاهرون بالشجاعة والقوة وفي الحقيقة ما نادى منادٍ أو صاح أحد بالمسلمين أو وقع أمر إلا ظنوا أن ساعتهم قد اقتربت، وأن الله قد كشف ستره عنهم فجاء المؤمنون لعقرهم في دارهم، هذه هي صفات المنافقين التي ذكرها الله في هذه الآية.
وورد صفات للمنافقين في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ للمنافقينَ علاماتٍ يُعرفونَ بِها: تحيتهم لعنةٌ، وطعامُهم نهبةٌ، وغنيمَتُهم غلولٌ، ولا يقربون المساجدَ إِلا هَجْرًا، ولا يأتُون الصلاةَ إِلا دَبْرًا، مستكبِرينَ، لا يَأْلَفون ولا يُؤْلفون، خشب بالليلِ، صُخُبٌ بالنهارِ وقال يزِيدُ، مرةً سُخُبٌ بالنهارِ.”
ثم بعد ذِكْر الله لصفات المنافقين ما ظهر منها وما بطن، قال سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {هم العدو فاحذرهم}, وهنا حصر الله العداوة في المنافقين مع أن هناك اليهود والمشركين الذين كفرهم ظاهرًا بواحًا، وعداوتهم لهم على الملأ ولكن متصنع الود أقبح وأخطر من صريح العداوة.
ولأن عداوة المنافقين أشدّ فهم يظهرون أنهم في صفوف المسلمين أي مطّلعين على كل شؤونهم وفي ذات الوقت يكيدون للمسلمين كيدًا، فكان التحذير منهم أولى والحرص منهم أوجب.
قال تعالى في نهاية الآية معقّبًا على صفاتهم وبعد أن حذّر منهم: {قاتلهم الله أنّى يؤفكون}، أي لعنهم الله وأخزاهم وطردهم من رحمته، بما انصرفوا من الحق إلى الباطل، ومن الهدى إلى الضلال، أي انصرفوا من سعادتهم ونصرهم إلى شقاوتهم وخسارتهم. والله أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله
فوائد آية وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم
يستفاد من قول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، العديد من الفوائد والثمرات، ويمكن ذكر أبرزها بما يأتي:
- أولًا: المنافقون أشد خطرًا وأكثر عداوةً للإسلام والمسلمين من الكفار والمشركين واليهود، لأنهم على إلحاق الضرر بالمسلمين أقدر فهم يعيشون بينهم ومطلعين على كل شؤونهم.
- ثانيًا: أن الله تعالى لم يأمر النبي عليه السلام بقتل المنافقين، مع أنه اطلعه على حقيقتهم؛ وذلك ليبين سبحانه أنه هو المتكفل بالسرائر وهو الذي يحاسب عليها، وأن الإنسان لا يحكم على غيره إلا بما يظهره.
- ثالثًا: أن الهيئة الحسنة والهندام الجميل، لا يعنيان بالضرورة أن صاحبهما كذلك، بل قد يكون على عكس ذلك، وهذه نقطة مهمة يمكن إسقاطها على أرض الواقع حيث ترى الناس يغترون بالمظهر من اللباس وغيره، ويتناسون الجوهر، وهذا غير صحيح لأن الحكم على الشخص من لباسه أو ما يملكه هي نظرة مادية استهلاكية بحتة.
اقرأ أيضا: معنى آية ضعف الطالب والمطلوب