قال الله تعالى في سورة يوسف: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ويبحث الكثير من المسلمين عن معنى آية إن النفس لأمارة بالسوء وشرح مفرداتها، مع بيان ما اشتملت عليه من فوائد وهدايات ينتفع بها المسلم في دنياه وآخرته.
معنى آية إن النفس لأمارة بالسوء
إنّ معنى آية إن النفس لأمارة بالسوء أي وما أُقدم على تزكية نفسي، وقوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، أي: بالذّنوب والمعاصي ومستقبحات الأمور، وما لا يحبُّ الله، ولا يرضى، {إِلاَّ مَا}، بمعنى مَنْ، {رَحِمَ رَبِّيَ}؛ عصمه من الوقوع في المعاصي.
جاء في تفسير “معالم التنزيل” للبغوي: فَقَالَ يُوسُفُ -عليه السّلام- عِنْدَ ذلك {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}، من الوقوع في الخطأ والزّلل، فأقوم بتزكيتها، {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، بفعل المعصية، {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}، أي: إلّا من رحمه ربي فعصمه من الوقوع في المعاصي، والمقصود بذلك الملائكة ممن عصمهم الله تعالى، فلم يغرس فيهم الشهوة كبني الإنسان، وقيل: {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}، إشارة إلى الحالة العصمة التي أوجدها الله عند رؤية البرهان، ويُفسّر ذلك ختام الآية بقوله: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وقيل في معنى {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، يقول: إن النّفس هي واحدة النّفوس، وهي نفوس العباد لا غير، تأمر النّفس بما يطيب لها وتهواه، وإن كان هذا الهوى في غير ما يرضي الله تعالى، {إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ}، يقول: إلّا أن يرحم الله ربي من شاء من عباده وخلقه، فينجّيه من اتباع هوى النّفس وطاعتها فيما تأمرُه به من السّوء والذّنوب والمعاصي.
والمُراد بقوله: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، “غفور” إنّه شديد المغفرة، يصفح عن ذنوب من تاب من العباد من الذّنوب والمعاصي، بتجاوز عقوبته لما اقترف من هذه الذّنوب والمعاصي، وبستره له، “رحيم”، به بعد إنابته وتوبته، أن يعذبه ويقتصّ منه عليها.
اقرأ أيضا: معنى آية والله غالب على امره
معاني المفردات في آية إن النفس لأمارة بالسوء
- النّفْس: معناها: الرّوح، ويقال خرجت نفْسه، وجاد بنفسه، أي: مات وفارق الحياة، وزهقتْ نّفْسه أو روحه، أي: خرجت وهلكت وماتت، والجمع: أنْفسٌ ونفوس، ومن معاني النّفْس أيضًا: الدّمّ، والنّفْس أيضًا: ذاتُ الشّيء وعينُه، النَّفْسُ النَّاطقة: نفس الإنسان وذات الجسم والرُّوح.
- أمّارة: من الفعل أمر يأمر، فهو أمّار، فمعنى كلمة “أمّارة” في الآية الكريمة السّابقة: قيامها بالإغراء بِارْتِكَابِ السُّوءِ وَالشَّرِّ وكلّ ما هو مستقبح. وأَمَّارَةٌ: أي: كثيرةُ الأمرِ، وكلمة “أمر”: خلافُ النَّهيِ.
- السُّوء: اسم، وجمعه أسواء ومساوئ على غير قياس، والسُّوء : كل ما يجعل الإنسان في غمّ وكدر، وكلّ ما يَسوء وكلّ ما يقْبُحُ من شرّ أو فساد أو قُبْح أو عيْب أو نقص أو غير ذلك ممّا يحزن الإنسان أو يعيبه، وكذلك السَّوْءُ: النارُ وجمعها: أسْوَاءٌ، وقول السُّوء: القول القبيح، ومسّه بسوء: أصابه بضررٍ، وسوء الحظّ: تعاسته، وسوء الطَّالع؛ بسبب عدم توفيقه لأمور فوق الإرادة، وسوء الظّنّ: الارتياب والشّكّ، وَقَاهُ اللَّهُ السُّوءَ أَوْ مِنَ السُّوءِ: صَانَهُ مِنْهُ، وحَفِظَهُ، حيث يقول الله تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ}.
اقرأ أيضا: معنى آية أمن يجيب المضطر إذا دعاه
فوائد آية إن النفس لأمارة بالسوء
- يمكن أن يستفاد من قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}، الخضوع للحقّ والعدل وعدم التّكابر، فهذا قول امرأة العزيز، فعندما أحست بالذّنب قالت: فإنّني لا أدّعي براءة نفسي من الوقوع في الذّنب؛ لأنّ أكثر النّفوس كثيرة الأمر بالسوء،
- في قوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}، دليلٌ على وصف الله تعالى للنّفس من حيث هي، وأنّ النّفس لا تخرج عن وصفها هذا إلّا برحمةٍ الله وعنايته؛ لأنّ النّفس الأمارة قرينة الشّيطان في ظلمها، وجاهلةٌ، ولا يأتي منها إلّا كلّ شرٍّ.
- إذا رحم الله العبد، وأرشده إلى طريق الخير بالعلم النّافع، والأخلاق الفاضلة، تحوّلت نفسه عن هذا الوصف، وأصبحت مطمئنّةً برضا الله وطاعته، ولم تعد تأمر صاحبها إلّا بالخير، ويتحوّل مالها إلى رضا الله وثوابه؛ ومن الجهل أن تبرأ النّفس تمامًا من الميل إلى السوء، و إنّما يمكن أن تكفّ عن أمرها بالسوء و دعوتها إلى الشّر برحمة من الله تعالى.
- يجب على العبد السعي جاهدًا إلى إخراج نفسه من الأمارة بالسوء إلى اللّوامة ثم المطمئنّة، وذلك بالاجتهاد، بالتزام أوامر الله، وبالابتعاد عن نواهيه، والتّخلّق بأحسن الأخلاق، واللّجوء إلى الله على الدّوام، والإكثار من التضرع إلى الله تعالى والاستغفار الدّعاء والذّكر وتلاوة القران الكريم.
- إنّ قوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} دليلٌ على أنّه ليست كلّ نفسٍ أمارةً بالسوء، لأنّ ما رحم ربي ليست فيه النّفس الأمارة بالسوء، وقال بعض أهل العلم للنّفس ثلاثة مراتب: الأمارة بالسوء، واللّوامة التي يقع منها الذّنب ثم تلوم عليه، والمطمئنّة. والله أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية لا تخف ولا تحزن إنا منجوك