هنالك العديد من الآيات التي تدلّ على قدرة الله تعالى في خلقه للإنسان والكون كالآيات التي تضمّنت موضوع التّوحيد، ولا سيّما توحيد الألوهيّة، ومن المعلوم أنّ هذا النّوع من التّوحيد متعلّق بأفعال الله تعالى وكمال قدرته، ومن الآيات الدّالّة على ذلك، قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، ويبحث الكثير من المسلمين عن معنى آية أن يقول له كن فيكون وما تُرشد إليه من هدايات.
معنى آية أن يقول له كن فيكون
قبل الشّروع في بيان معنى آية أن يقول له كن فيكون لا بُدّ من التنويه إلى أنّ كلام الله تعالى واحد وهذا متفقُ عليه بين العلماء، كما أنّ صفاته تعالى لا تشبه صفات أحد، فعلى سبيل المثال: الله تعالى يتكلّم ولكن ليس ككلام البشر بالحرف والصّوت؛ لأنّ كلام البشر مخلوق والله تعالى لا يُتّصف بحادث، ويؤيّد ذلك قول أبي حنيفة: “نَحنُ نَتكلَّمُ بالآلاتِ والحروفِ واللهُ يَتَكلَّمُ بلا ءالةٍ ولا حَرفٍ”، ممّا يعني أنّ قدرته تعالى يتفرّد بها.
ويترتّب على ذلك تفسير العلماء لقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، حيث ذهب بعضهم إلى أنّ المقصود هنا قدرة السّرعة العالية في الإيجاد والتّكوين؛ لأنّ الإرادة والقدرة تتعلّق به وحده دون تعذّر أو تباطؤ فهو وحده مالك الكوْن ومصرّفه.
ذهب آخرون إلى أنّ المقصود بهذه الآية هو: الحكم الأزلي الذي يُقدّره الله بكلامه الذي لم يكن حرفًا وصوتًا وإنّما بصفة لا يعلمها إلّا هو، حيث يجعل الأمر الذي قدّره يحدث بالوقت الذي يشاؤه بعلمه المسبق.
وعليه فإنّ معنى آية أن يقول له كن فيكون أنّ الله تعالى ليس كمثله شيء، فمحال أن يتعاظم أحد على قدرته، فالله إذا أراد أمرًا سيكون في الحال بدون تراجع أو تأخّر.
ويجب التنبّه إلى أمريْن بخصوص لفظ النّكرة “شيئًا” فهذا اللّفظ يدلّ على معدوم، ووروده في هذه الآية دلالة على أنّ الله وحده يعلم بوجود هذا الشيء أيًّا كان قبل خلقه وإحداثه، وأمّا بالنّسبة للأمر الثّاني: وهو ورود الأمر “كُنْ” وهذا الفعل لا يدلّ على أمر تكليفي وإنّما أمرًا يدلّ على قدرته التّامّة وإرادته التي ينفرد بها.
يجدر بالذّكر أنّ القدرة تكمن في ورود المعدوم في الآية، ممّا يعني أنّ الله وحده الذي يمتلك العلم المسبق كونه مكتوب في لوحه المحفوظ، وهذا من كمال إبداعه، ويؤيّد ذلك قول الرّسول -عليه السّلام-: “كان الله ولم يكُنْ شيءٌ قبْلَه وكان عرشُه على الماءِ ثمَّ خلَق السَّمواتِ والأرضَ وكتَب في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ”. (( الراوي : عمران بن الحصين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 7418 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
ورد في بعض التّفاسير أنّ المقصود في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، هو عدم تكرار الأمر، أيْ عندما يأمر بشيء كتبه يكون هذا الأمر لمرّة واحدة فقط، ويؤيّد ذلك قول الرّسول -عليه السّلام- فيما يرويه عن ربه: “أنِّي جَوادٌ ماجدٌ واجدٌ، أفعَلُ ما أشاءُ، عَطائي كلامٌ، وعَذابي كلامٌ، إذا أرَدْتُ شيئًا فإنَّما أقولُ له: كُنْ، فيكونُ”. (( الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند | الصفحة أو الرقم: 21540 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
جاء في تفسير الطّنطاوي أنّ المقصود بهذه الآية هو: التّأكيد على شمول قدرة الله تعالى، فبقدرته وحده إذا أراد إحداث الشيء المكتوب مسبقًا سيكون في الوقت الذي أمر به، وأورد القرطبي في تفسيره أنّ مفهوم الآية يشتمل على خلق الشيء الذي لا يحتاج إلى تعب ومشقّة كما أنّه لا يحتاج إلى معالجة.
اقرأ أيضا: معنى آية كل نفس ذائقة الموت
هدايات آية إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
- الإخلاص: تتضمّن الآية الكريمة مفهوم الإخلاص، فالفعل من العبد يحتاج إليه ابتداءً، فإن كان هذا الفعل مقدّر من الله ومكتوب سيناله العبد بدون عقبات.
- التربية العقدية: التّربية العقدية للإنسان تكمُن عندما يستشعر أنّ الله وحده القادر على تصريف الكون وهو وحده الرّازق والمحبّ لعباده زادت محبّة العبد له.
- الكتابة القدرية: من الثّمرات المهمّة المستفادة هي أنّه لا يوجد شيء مستحيل عند الله، فتقادير الله مكتوبة وواقعة لا محال، لذلك على العبد أن يُسارع بالتّقرّب إلى الله وطلب ما يتمنّاه منه، فالأمر الذي عند الله لا يُنال إلّا بطاعته.
- الثقة بالله: ترتكز هذه الآية حول مفهوم الثّقة بالله وحسن الظّن به، فالإنسان عندما يدرك أنّ كلّ شيء يحصل معه مقدّر من الله سيكون حينها محسن للظّن.
- المواساة: تكمن ثمرة المواساة للإنسان في هذه الآية، والمقصود بذلك أنّ الإنسان يبقى قلقًا أثناء تخطيطه لأمر مصيري، لكن جاءت هذه الآية لتخفف هذا القلق بأنّ لو هذا الأمر المُخطّط له مُقدّر من الله سيناله صاحبه حتى وإن كان ذلك مستحيلاً.
- الطمأنينة: تُطمئن هذه الآية الإنسان إذا خاف أذى النّاس تجاه قرار يريد تنفيذه، ممّا يعني أنّ الله تعالى يعطي عباده الشيء المكتوب لهم مهما حاول النّاس الوقوف بطريقهم.
- التّفكر: تكمن في هذه الآية أهمّية التّفكّر بقدرة الله تعالى في خلقه للإنسان والحيوان والسّماوات والأرض، حيث يُصبح الإنسان يستشعر بمراقبة الله عليه في كلّ زمان ومكان.
اقرأ أيضا: معنى آية قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي