يقول الله عز وجل في سورة البقرة: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، ويتساءل الكثير من المسلمين عن معنى آية وأنزلنا عليكم المن والسلوى وإعرابها إضافةً إلى ما تُرشد إليه من فوائد وهدايات.
معنى آية وأنزلنا عليكم المن والسلوى
إن معنى آية وأنزلنا عليكم المن والسلوى أن الله تعالى أنعم على بني إسرائيل وهم في مدة التيه بين مصر والشام، وأول هذه النعم أن الله أرسل عليهم السحاب ليظللهم به من حر الشمس الحارقة.
والمقصود بإنزال المن والسلوى أي أرسل الله إليهم الطعام اللذيذ المشتهى من غير تعبٍ منهم وهذا الطعام هو مادة صمغية تنزل على الشجر وحلاوته تشبه حلاوة العسل إضافة إلى طائر السلوى لذيذ اللحم الذي كانت تسوقه إليهم ريح الجنوب فيمسكونه بأعلى درجات السهولة ومن غير تعبٍ منهم، ثم أمرهم بأن يأكلوا من شهي الرزق وطيبه الذي رزقهم إياه.
ثم يتبع الله -عز وجل- الاية بقوله: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، ومعنى ذلك أن بني إسرائيل لم يظلموا الله -عز وجل- بمعاصيهم، حيث إن أفعالهم تلك ومعاصيهم لا تضر الله ولا توضعه موضع منقصة، فالله لا تضره معصية العاصي ولا تنفعه طاعة المطيع ولا ينقص من خزائنه ظلم الظالم ولا يزيد في ملكه عدل العادل، بل إن العاصي لا يضر إلا نفسه، والمطيع لا ينفع إلا نفسه، وعلى ذلك فإن بني إسرائيل بعصيانهم لم ينقصوا إلا من أنفسهم ولم يضروا إلا أنفسهم.
ختم الله الآية الكريمة بقوله تعالى: {وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، وإن في التعبير عن ظلم بني إسرائيل لأنفسهم بكلمة كانوا وبالفعل المضارع يظلمون للإشارة إلى تكرار الظلم منهم لأنفسهم.
ولا بد من التنويه أيضًا أن العلماء اختلفوا في معنى المن في الآية الكريمة، فمنهم من قال أنه شرابٌ ومنهم من قال أنه طعامٌ وقد رجح ابن بازٍ أن المراد من المن هنا هو كل ما امتن به الله -عز وجل- على بني إسرائيل من الطعام والشراب وغير ذلك.
المشهور أن المن إن أُكل وحده كان حلاوةً وطعامًا، وإذا خُلط ومرِّج مع الماء صار شرابًا، وإذا خُلط مع غيره صار نوعًا آخرًا، لكن هذا المن المشهور ليس وحده المقصود في الآية الكريمة، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ، وماؤُها شِفاءٌ لِلْعَيْنِ.” (( الراوي : سعيد بن زيد | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 4478 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] )) وفيما يأتي أقوال المفسرين في معنى المن كلٌ على حدة:
- ابن عباس: إن المن كان ينزل على بني إسرائيل من الأشجار ويأكلون منه ما أرادوا.
- عكرمة: شيءٌ أُنزل على بني إسرائيل من الله -عز وجل- مثل الطل، ويشبه الرب الغليظ.
- السدي: طعامٌ كان ينزل على شجرة الزنجبيل.
- قتادة: شيءٌ أبيضٌ أحلى من العسل كان ينزل عليهم وهم في محلهم في البرية.
- الربيع بن أنس: شرابٌ مثل العسل كان ينزل عليهم، وكان يتم تمريجه في الماء ثم يقومون بشربه.
- وهب بن المنبه: خبزٌ رقاق.
اقرأ أيضا: معنى آية هل جزاء الاحسان الا الاحسان
إعراب وأنزلنا عليكم المن والسلوى
إن من العلوم المهمة في علم التفسير، هو المعرفة في علم النحو والإعراب، وذلك لما له من كبير الأثر في معرفة المراد من الآية الكريمة، إذا إن الحركة الإعرابية واختلاف موقع الكلمة من الجملة يعمل على اختلاف معنى الآية كاملة، ومن هذا المنطلق نُوضّح إعراب آية وأنزلنا عليكم المن والسلوى:
- وأنزلنا: الواو حرف عطف، وأنزلنا فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنا الدالة على الفاعلين، والضمير المتصل “نا” في محل رفع فاعل.
- عليكم: على حرف جر والضمير المتصل “كم” في محلِّ جر بحرف الجر، وهي متعلقة بالفعل “أنزل”
- المن: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- الواو: حرف عطف
- السلوى: اسم معطوف منصوب على منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.
اقرأ أيضا: معنى قوله تعالى ظلت عليه عاكفا
فوائد من آية وأنزلنا عليكم المن والسلوى
من الفوائد والثمرات التي يمكن استجلائها من آية وأنزلنا عليكم المن والسلوى ما يأتي:
- إن الله -عز وجل- رحيمٌ كريم، حيث إنه لم يترك بني إسرائيل في التيه من غير رزقٍ، بل أنعم عليهم ورزقهم الراحة وما لذ من الطعام.
- إن الله -عز وجل- غنيٌ حميد، لا يضره معصية عاصٍ ولا تنفعه طاعة عبدٍ.
- على المسلم أن يجاهد نفسه على فعل الطاعات وترك المعاصي، حيث إن النفع والضرر في ذلك عائدٌ عليه لا على سواه.
- تُعد كثرة المعاصي سببًا في ظلم العبد لنفسه.
- قد يُمهل الله -عز وجل- العباد فلا يعذبهم إلا بعد تكرار المعاصي منهم.
- يجب على المسلم أن يتحرى الطيب في طعامه.
اقرأ أيضا: معنى آية زين للناس حب الشهوات