معنى آية ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا من المعاني الهامة التي يجب على كل مسلم معرفتها، وتُعدّ هذه الآية إحدى آيات سورة المائدة التي تناولت كغيرها من السّور المدنيّة جانب التّشريع، بشكلٍ موسّع إضافةً لموضوع العقيدة وقصص أهل الكتاب.
معنى آية ولا يجرمنكم شنآن قوم
جاء في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي أن معنى آية ولا يجرمنك شنآن قوم في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} أي كونوا قائمين لله بكلِّ عدل حقٍّ يلزمكم القيام به، وتشهدون بالعدل، ولا يحملنَّكم بغضكم لقوم على ترك العدل معهم، واعدلوا في الأولياء والأعداء، فالعدل أقرب للفلاح واتِّقاء النّار.
وجاء في تفسير الطّبري: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا}، أي: يا أيها المؤمنون! عليكم القيامُ لله شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، وأن لا تجوروا في أحكامكم وعلاقاتكم فتقعوا في ظلم أعدائكم لعدواتهم لكم، وأن لا تقصِّروا فيما حُدّد لكم في أوليائكم لولايتهم لكم، ولكن عليكم أن تنتهوا في جميعهم إلى ما حدّدت لكم، وأن تعملوا بما أمرتكم.
وقوله: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا}، أي: ولا تدفعنّكم عداوةُ قوم على ألّا تعدلوا في الحكم فيهم، فتظلموهم بسبب ما بينكم وبينهم من العداوة، وقوله: {اعْدِلُوا}، أي: طبّقوا ميزان العدل على كل واحد من النّاس وليًّا لكم كان أو عدوًّا، وبذلك تحملوهم على ما أمرتكم به أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا على أحد منهم، قوله: {هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، هو: تعود على العدل، أي: تطبيقكم للعدل على الأولياء والأعداء، هو دليل إيمانكم وصلاحكم.
وقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ}، أي: واحذروا أيها المؤمنون، من ظلمكم لعباده، فتجاوزوا فيهم حكم الله الذي بيّنه لكم، فتحلّ بكم عقوبته، وتستوجبوا عذابه، قوله: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}، أي: إن الله ذو خبرة وعلم بما تعملون فيما أمركم به ونهاكم عنه، من عمل به أو مخالفة له.
اقرأ أيضا: معنى آية بل الإنسان على نفسه بصيرة
معاني المفردات في آية ولا يجرمنكم شنآن قوم
تحتاج بعض الكلمات في الآية الكريمة إلى شرح وتوضيح من معاجم اللّغة العربيّة، وهي:
- قَوَّامِينَ: قَوَّامونَ: اسم، وهو جمع لـ”قَوَّام”، وقَوّام: صيغة مبالغة من قامَ يقوم، قيامًا وقوامًا، رجلٌ قوَّامٌ في اللّيل: يحسن القيام ويخلص فيه، القوّامُ: القيام لله بحقوقه، القوّامُ: الحسن القيام بالأمور، القوّامُ: المُتَولِّي للأمور، والقوّامُ: الشّخص الحسَنُ القامة، يقومون بالنَّفقة عليهنَّ والدّفع عنهنّ، هُوَ قَوَّامُهُمْ: أَمِيرُهُمْ.
- القِسْط: اسم: جمعه: أَقساط، القِسْطُ: العَدْلُ؛ وهو من المصادر الموصُوف بها، يوصف به الواحد والجمع، ميزانٌ قِسْطٌ، وميزانان قِسْطٌ، وموازينُ قِسْطٌ، القِسْطُ: الميزانُ، القِسْطُ: الحِصَّةُ والنَّصِيب، وفَّاهُ قِسْطَهُ: أعطاه كامل حصّته ونصيبه.
- يجرمنّكم: جَرَمَ: فعل: جَرَمَ الرَّجُلُ: أَذْنَبَ، اِرْتَكَبَ ذَنْباً، جَرَمَ نَفْسَهُ أو جَرَمَ عَلَيْهِم: جَنَى جِنَايَةً، جَرَمَ لأَهْلِهِ: كَسَبَ لَهُمْ، جَرَمَ الرَّجُلَ: أَكْسَبَهُ جُرْماً، جرَمه على السَّرقة: حمله عليها، لا يجرمنّكم: لا يحملنّكم أو لا يكسبنّكم.
- شنآن: اسم: مصدر شنَأَ وشنِئَ، وشنآن الشِّتاء: بَرْده، شَنَآنٌ: حِقْدٌ، بُغْضٌ، وهو المراد في الآية الكريمة.
- تعدلوا: عَدَلَ: فعل، عدَل بين المتخاصمين: أنصف بينهما، وتجنَّب الظُّلْمَ والجَوْرَ، أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، عَدَلَ فِي أَمْرِهِ: اِسْتَقَامَ، عَدَلَ فِي أَحْكَامِهِ: أَنْصَفَ، كَانَ عَادِلاً، تعدلوا: تنصفوا في الحكم.
- خَبير: اسم: جمعه : خُبَرَاءُ، وخَبِيرَاتٌ، الخَبِيرُ: ذو الخِبَرة الذي يَخْبُرُ الشيءَ بعلْمِهِ، والخبير: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: العالم بكُنْه الشّيء، المطّلع على حقيقته، الذي لا تخفى عليه خافية.
اقرأ أيضا: تجربتي مع سورة المائدة
فوائد من آية ولا يجرمنكم شنآن قوم
- تأكيد الله تعالى الأَمْرِ بالعَدْلِ مع الأعداءِ، وشَّهادته لهم به، في قَوْلِه تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، ليُفيد بوجوبَه مع الأعداء كوجوبه مع الأقرباء والأولياء.
- تكرار الباري سبحانه في طلب العدل: في قوله تعالى: {عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا}، لإظهار مدى أهمّيّته، فكان عدل المسلمين فيما بينهم، ومع أعدائهم وغيرهم سببًا في دخول النّاس في الإسلام أفواجًا.
- وممَّا يُستَفادُ مِن قَوْلِه تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، بأنَّه هناك فَرْقٌ بين العَدْلِ والمساواةِ، وأكثَرُ ما ورد في القرآنِ الكريم إثبات العدل كما في الآية السّابقة، ونفْيُ المساواةِ؛ كما في قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}، وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، فقد نفى الله تعالى إمكانيّة المساواة في الآيتين.
- وكذلك إقامة العدل في الدّولة والمجتمع دليل الصلاح والفلاح، وكما يقال: ينصر الله دولة العدل وإن كانت كافرة، ولا ينصر دولة الظلم وإن كانت مؤمنة.
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة المائدة