يهتم الكثير من المسلمين بمعرفة معنى آية له معقبات من بين يديه ومن خلفه التي وردت في سورة الرعد، وتُعد سورة الرعد إحدى سور القرآن الكريم المدنية، وقد كان نزولها بعد سورة محمد.
معنى آية له معقبات من بين يديه ومن خلفه
قال الإمام الواحدي في كتابه الوجيز في تفسير الكتاب العزيز أن معنى آية له معقبات من بين يديه ومن خلفه أي أن الله تعالى له ملائكة تحفظ العباد، وهؤلاء الملائكة متعاقبون في نزولهم إلى الأرض، فمنهم من ينزل في الليل، بينما ينزل بعضهم في النهار.
يُراد بقوله تعالى: {مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} أي بين يدي الإنسان، ومن خلفه، أما قوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ}، أي أنهم يحفظونه بأمر الله تعالى فيما لم يُقدره، بينما إذا كان ما يُصيب الإنسان قدرًا، فليس بمقدورهم أن يمنعوا، ومعنى {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، أي أن الله تعالى لا يمنع النعم على عباده إلا إذا عملوا بالمعاصي، {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا}، أي أراد بهم عذابًا، {فَلا مردَّ له}، فلا أحد يمنعه، {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}، ولا سلطان عليهم إلا سلطانه، يتولّى أمرهم ويمنعهم من العذاب.
جاء في تفسير البغوي أن معنى الآية أن لله تعالى ملائكة يتناوبون على النزول إلى الأرض، ومراقبة الخلق ليلًا ونهارًا، وبعضهم ينزل في الليل، وبعضهم في النهار، ويأتون من أمام هذا المستخفي بالليل، والذي يخرج إلى عمله بالنهار، كما يأتون من وراء ظهره، ويحفظونه بأمر الله وإذنه ما لم ينزل القدر، فحفظهم قاصر على ما أمر الله به من الحفظ عنه.
قال ابن جُريج أن يحفظونه الواردة في الآية أي أنهم يحفظون الحسنات والسيئات، بينما قال الإمام ابن عباس رضي الله عنهما أن الهاء الواردة في قوله “له” تعود على أن النبي صلى الله عليه وسلم، فيحفظونه من شر الجن، وطوارق الليل والنهار، والله تعالى يُغير ما بقوم من الخيرات والنعم، حتى يُغيروا ما بأنفسهم من الطاعة إلى المعصية، وإذا أراد الله بقوم سوءًا أي العذاب والهلكة، فلا راد لأمره، وليس للخلائق من دونه من مهرب يهربون إليه، ولا سلطان يلي أمرهم.
أورد الإمام الطبري في تفسيره للآية العديد من الآراء، فقد قال هناك خلاف بين الكثير من أهل التفسير في تأويل الآية، وأرجح التأويلات أن الهاء في قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ}، تكون لمن ذكر اسم الله، والمعقبات هي الملائكة التي تتعاقب على العبد، فإذا صعدت ملائكة النهار إلى السماء، أعقبتها ملائكة الليل، ويحفظون الحسنات من بين يديه، والسيئات من خلفه، بينما هناك رأي آخر يقول أن المعقبات هم الحرس المتعاقبون على الأمراء، أو الحرس الذين يكونون لولي الشيطان.
هناك خلاف آخر في تأويل قوله تعالى: {مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} فقد قيل أن المراد بها حفظهم للإنسان من أمره، أو أنهم يحفظونه بأمر الله، وقد قال قتاة أن هناك قراءة {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}، وجاءت أيضًا بعض القراءات {بأَمْرِ اللَّهِ}، أما قوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، أي إنّ الله لا يزيل نعمه وخيراته عن عباده، ويهلكهم حتى تقع منهم المعاصي ويظلم بعضهم بعضًا، فحينئذ يحل غضبه وعقوبته وتغييره.
وقد اختُتمت الآية بقوله {وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ} أي إذا أراد الله بهؤلاء المستخفين بالليل والساربين بالنهار، هلاكًا وخزيًا في الدّنيا فليس باستطاعة أحد غير الله رد ذلك عنهم، وما لهم من دون الله من وال يتولاهم.
اقرأ أيضا: تجربتي مع سورة الرعد
فوائد من آية له معقبات من بين يديه ومن خلفه
تتعدد الفوائد التي يُمكن استجلائها من قوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه حيث تدل هذه الآية على:
- إن لكل عبد ملائكة يحفظونه مما قد يضر به، وهذا الحفظ إنما يكون بتكليف من الله تعالى، حتى ينزل القدر، فيخلوا بينه وبين قدره.
- إذا أذنب العبد وأصر على ذنوبه، فإن النعم التي أنعم الله بها عليه تزول بحسب ذلك الذنب، وقدر إصراره عليه، فإن تاب العبد عن الذنب، وعاد إلى ربه، أنعم عليه وأكرمه، بينما إذا أصر مجددًا على الذنوب، واستمر عليها، خسر النعم، وعندها لا تعود النعم إليه.
- لو ضاق صدر العبد مما قد يعتريه من ضيق الحال؛ فعليه أن يبادر بتذكر نعم الله عليه، كما يتذكر أيضًا تقصيره في حق الله تعالى، ووقوعه في المخالفات والمعاصي.
- يجب تأمل قصص الأمم والأقوام الغابرة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، ففيها ما يجعل الإنسان يتعظ ويدرك أن شكر النعم يحفظها ويزيدها، بينما كفرها، ينقصها، ويُذهِبها.
- ليس للعباد وال يتولى أمورهم، ويحقق لهم ما يتمنونه، ويدفع عنهم ما يكرهونه سواء الله تعالى، وفي ذلك تحذير على الإقامة على ما يكرهه الله تعالى حتى لا يحل غضبه وعذابه.
اقرأ أيضا: معنى آية أليس الله بكاف عبده