القرآن الكريم هو كتاب الله المليء بالحكم والأسرار ولمعرفة تفسير آياته لا بدّ من الإحاطة بجميع حيثيات الآيات من أسباب النزول ومعاني المفردات وإعرابها، ويكثر السؤال عن معنى آية والشعراء يتبعهم الغاوون الواردة في سورة الشعراء.
معنى آية والشعراء يتبعهم الغاوون
قال الإمام الطبري عن معنى آية والشعراء يتبعهم الغاوون المراد بالشعراء في هذه الآية شعراء المشركين والغاوون هم الذين يتبعونهم وهؤلاء هم غواة الناس ومردة الشياطين وعصاة الجن حيث إنّ كلمة الغاوون عامة ومطلقة وتشمل كل غاوٍ وضال.
في حين قال آخرون أنّ هذا حال معظم الشعراء لأنّهم قد يكذبون في الشعر لأغراض شخصية كالتفاخر بالنفس وقد يقولون كلامًا مناف للحقيقة، وما هو إلّا من نسج الخيال.
ولكنّ الله -عزّ وجلّ- قد استثنى من الشعراء أهل الإيمان والصلاح، حيث قال: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ۗ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}، فهؤلاء يقولون الشعر الطيّب والمفيد ومن الشعراء الذين كانوا على عهد رسول الله حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك.
وقد قال رسول الله في مدح الشعر الطيّب والأدب المفيد: “إنَّ من البيانِ سحرًا، و إنَّ من الشِّعرِ حِكمةً”،[٩] كما كان يأمر حسان بن ثابت ويطلب منه أن يردّ على المشركين ويقوم بهجائهم بالشعر، ويقول عن هذا الهجاء: “لَهذا أشَدُّ عليهم مِن وَقْعِ النَّبلِ”، وقد دعا لحسان بتأييد جبريل له حيث قال: “اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ برُوحِ القُدُسِ”.
قال تعالى في سورة الشعراء: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}، وقد نقل ابن كثير عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية والآيتين اللتين بعدها، أنّه كان رجلان على عهد رسول الله أحدهما من الأنصار والآخر من قومٍ آخرين، وأنّهما تهاجيا أي -ذمّا بعضهما البعض عن طريق الشعر- وكان لكلّ واحدٍ منهما غواةٌ من قومه، فأنزل الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ}.
ونقل عن ابن عباس أنّ وجه ذم الشعراء في هذه الآيات هو أنّ أكثر قولهم يكذبون فيه، وقد علّق ابن كثير على هذه المقالة بأنّ الشعراء يذكرون في شعرهم وأبياتهم أفعال لم تصدر عنهم ولم يفعلوها وإنّما على سبيل التبجّح والزهو بالنفس.
كما أنّ العلماء اختلفوا بالنسبة للشاعر الذي يعترف بمعصية توجب حدًّا في شعره هل يُقام عليه الحد ويتلقّى العقوبة على اعترافه أم لا، وقد حصلت واقعة مشابهة لهذا في عهد عمر بن الخطّاب حيث قام أحد عمّاله بإنشاد شعرٍ يذكر فيه أنّه شرب الخمر فقام عمر بعزله ولم يُقم عليه الحد فكلامه هذا لم يكن حقيقةً وإنّما على سبيل الشعر.
ومن أسباب نزول هذه الآيات الرد على المشركين الذين نسبوا ما جاء به الرسول الكريم محمد إلى الشعر، فبيّن الله تعالى أنّ الشعر لا يشبه الرسالة المحمدية بشيء فالشعراء يتبعهم الغاوون، أمّا النبي محمد فأتباعه هم الهداة المهتدون، فحال رسول الله منافٍ لحال الشعراء من وجوه ظاهرة، كما عبّر بذلك ابن كثير وفي القرآن الكريم أكثر من آية في أكثر من سورة تبيّن أنّ كلام الرسول ليس شعرًا ولا شعوذةً ولا هو من عند الشيطان كما زعم بذلك كفار قريش.
وفي هذه الأدلة بيانٌ لأنّ الذم ليس موجهًا لجميع الشعراء وإنّما هو خاص لمن يرتكبون المخالفات في أشعارهم من كذبٍ واعترافٍ بالرذائل وفي هذا ترويج لها بين الناس، أمّا الشعر الذي يكون مقصده ذمّ الباطل وفضح عوار أهل الكفر ونصرة الحق والمظلومين فإنّه مطلب شرعي وفعلٌ ممدوح في الشريعة الإسلامية وصاحبه مأجور بإذن الله.
اقرأ أيضا: معنى آية لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى
معاني المفردات في آية والشعراء يتبعهم الغاوون
إنّ معاني الكلمات القرآنية هي موضوع اهتمام الباحثين في علم التفسير وعلوم القرآن بشكل عام، فالمعنى اللغوي له تأثير مهم في تفسير الآيات واستخراج الأحكام وغير ذلك من الفوائد، وفيما يأتي بيانٌ لمعاني المفردات في آية: والشعراء يتبعهم الغاوون في معاجم اللغة العربية:
- الشعراء: جمع شاعر وهو اسم الفاعل من الفعل شَعَر، والشاعر هو الذي يقول الشعر وينظمه.
- يتبعهم: من الاتباع ومعناه في اللغة يدلّ على الانقياد، فالتابع منقاد لغيره.
- الغاوون: جمع لكلمة غاوي أو غويّ والغيّ هو الضلال والخيبة، فالغويّ هو الضالّ المتبع لهواه.
اقرأ أيضا: معنى آية واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
إعراب آية والشعراء يتبعهم الغاوون
إنّ إعراب القرآن يكون لجمل القرآن ولكلماته المفردة، وبعض الكتب المؤلفة في هذا الفن لا تهتم إلّا بمسألة إعراب الجمل القرآنية، وممّا جاء في إعراب آية: والشعراء يتبعهم الغاوون، أنّ الواو استئنافية، والجملة بعدها استئنافية لا محلّ لها من الإعراب، وجملة “يتبعهم الغاوون” في محل رفع خبر للمبتدأ الشعراء، وفيما يأتي إعرابٌ تفصيلي لمفردات هذه الآية الكريمة:
- والشعراء: الواو استئنافية والشعراء مبتدأ مرفوع.
- يتبعهم: فعل مضارع مرفوع، والهاء ضمير متصل في محل نصب مضاف إليه.
- الغاوون: فاعل مؤخر للفعل يتبع.
اقرأ أيضا: معنى آية وقل رب أنزلني منزلا مباركا