جاء على لسان نبي الله إبراهيم في سورة الشعراء: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ* وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ* وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ* وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ* يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، ويتساءل الكثيرون عن معنى آية الا من اتى الله بقلب سليم وتفسيرات العلماء لها.
معنى آية الا من اتى الله بقلب سليم
إن معنى آية الا من اتى الله بقلب سليم أي أنه لن يستطيع أحد أن ينجو من عذاب الله يوم القيامة إذا إذا أتى الله بقلب سليم، وقد فسّر العلماء القلب السليم بأنه خالٍ وسالم من دنس الشرك، والعياذ بالله، وذلك لأنه لا يُعقل أن يكون القلب السليم من الذنوب؛ لأن الذنوب لا يسلم منها أحد، وهذا القول عليه أكثر المفسرين.
قيل في تفسير القلب السليم أنه القلب الذي يعتقد يقينًا أن الله تعالى هو الحق المطلق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، كما يؤمن ببعث الله تعالى للموتى من قبورهم، ومحاسبتهم يوم القيامة على ما فعلوا في الحياة الدنيا.
قال سعيد بن المسيب عن القلب السليم أنه القلب المؤمن؛ لأن الله تعالى عندما تحدث عن الكافرين والمنافقين، وصفهم بأنهم في قلوبهم مرض، فقال تعالى في سورة البقرة: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا}، بينما قال الحسن البصري عن القلب السليم أن القلب الذي خلا من آفة المال والبنين.
وتكثر لطائف المفسرين عند تناول هذه الآية، فقد رُوي عن الإمام الجنيد أنه قال: السليم في اللغة هو اللديغ، ويكأن الله تعالى يقصد بذلك أن قلب المؤمن كاللديغ وهو من عضته الحية، وذلك بسبب شدة خوفه من الله تعالى.
رُوي عن الإمام الضحاك بن مزاحم في تفسير هذه الآية أنه قال إلا من أتى الله بقلب خالص لله، وخال من الأوصاف الذميمة، واتصف بالأوصاف الحسنة، كما قال بعض المفسّرين إنّ القلب السليم يشبه وصفًا ورد في حديث رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: “يَدْخُلُ الجَنَّةَ أقْوامٌ، أفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أفْئِدَةِ الطَّيْرِ”، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أراد أن يقول أن هؤلاء القوم ذوي قلوب خالية من كل ذنب.
اقرأ أيضا: القلب السليم هو الذي يمتلئ ب
معاني المفردات في آية إلا من أتى الله بقلب سليم
هناك العديد من الفوائد لمعرفة معاني المفردات والمباحث اللغوية في الآيات القرآنية، حيث من شأنها أن تزيل اللبس الذي قد يراود القارئ أثناء قراءة الآيات، وتتمثل معاني المفردات في الآية فيما يأتي:
- أتي: الإتيان في اللغة يُقصد به المجيء، ويقال: أتاه، يأتيه، إتيانًا، وإتيًا، ومأتأة، ويمكن أن يحمل الإتيان معنى آخر على سبيل المجاز مثل أتى الشيء إذا ساقه، كما أوَّلَ العلماء قوله تعالى في سورة طه: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ} بأنّ المعنى هو حيث كان.
- قلب: القلب هو مضغة في الفؤاد متعلقة بنياطه، بينما يرى بعض العلماء أن القلب والفؤاد شيء واحد، ويجمع القلب على قلوب وأقلُب، وتقول العرب القلب أحيانًا، بينما يكون قصدها العقل.
- سليم: المراد بالسلامة في اللغة البراءة من جميع العيوب والأمراض، كما قالوا عن اللديغ سليمًا؛ وذلك من باب الاستبشار بشفائه من المرض.
وإعراب الآية كاملًا فيما يأتي:
- إلّا: أداة استثناء.
- مَن: اسم موصول مبني في محل نصب على الاستثناء.
- أتى: فعل ماضٍ يُبنى على النصب المُقدر، وذلك للتعذر، والفاعل هنا ضمير مسترر على سبيل الجواز، والتقدير: هو، وجملة {أَتَى} صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
- الله: لفظ الجلالة في محل نصب مفعول به، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
- بقلب: الباء حرف جر، وقلب اسم مجرور بحرف الجر، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور في الجملة متعلقان بالفعل أتى.
- سليم: نعت لقلب، والنعت مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
اقرأ أيضا: تجربتي مع سورة الشعراء
فوائد من آية إلا من أتى الله بقلب سليم
إذا ما توقّف القارئ عند هذه الآية الكريمة، فإنه لن يُعدم الاستفادة مما اشتملت عليه من ثمرات وفوائد، ومن أبرز الفوائد التي يمكن استخلاصها من الآية الكريمة ما يأتي:
- تُبيّن الآية أن القلب عندما يكون سليمًا وخاليًا من الآثام والآفات وأسباب الشرك ودواعيه، فإن ذلك يكون سببًا لدخول الجنة، والنجاة من النيران.
- استبط الإمام الشعراوي فائدة هامة من هذه الآية الكريمة في سياقها أثناء تفسيره لسورة الشعراء، ومن أهم الخواطر التي أشار إليها أنه رغم ما جاء في القرآن الكريم من وصف المال والبنين بأنهما زينة الحياة الدنيا؛ لكن قد يكونا من أسباب دخول الجنة، وذلك إذا أحسن صاحبهما التصرف بهما فيما يُرضي الله عز وجل.
- يُولد الإنسان على الفطرة وطهارة القلب وسلامته من الآفات، فإما أن يحافظ على ذلك أو يُلوّث فطرته.
اقرأ أيضا: أحاديث عن طهارة القلب