أول عمل قام به النبي في المدينة

لمّا اشتد أذى المشركين بالمسلمين في مكّة؛ أمر الله -تعالى- نبيّه وأصحابه بالهجرة منها، ولم يخبرهم النبيّ بالوجهة مباشرةً حتى لا يتسَّنى للمشركين منعهم من الهجرة، وعندما حان الوقت المناسب، أعلن الرسول -عليه الصلاة والسلام- الوِجهة أخيراً، وهي المدينة المنورة، ومن الأسئلة التي يجب على كل مسلم معرفة إجابتها ما هو أول عمل قام به النبي في المدينة المنورة؟

أول عمل قام به النبي في المدينة

كان أول عمل قام به النبي في المدينة بعد هجرته من مكة المكرمة هو بناء المسجد النبوي، فعندما وصل -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة المنورة؛ بَركت ناقته على أرضٍ لغلاميْن، وتوجّه -عليه الصلاة والسلام- ومكث في منزل أبي أيوب الأنصاريّ -رضي الله عنه-، وأمر أصحابه ببناء مسجدٍ في نفس الأرض التي برَكَت فيها الناقة.

وكان -عليه الصلاة والسلام- قد طلب من مالكي الأرض شراءها، وقيل إنها لأيتامٍ من بنو النجّار، وقد رفضوا بيعها بثمنٍ، إذ أرادوا وَهْبها لله ورسوله دون بيعٍ، وقد أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (ثُمَّ إنَّه أمَرَ ببِناءِ المَسْجِدِ، فأرْسَلَ إلى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ فَجاؤُوا، فقالَ: يا بَنِي النَّجَّارِ ثامِنُونِي حائِطَكُمْ هذا، فقالوا لا واللَّهِ، لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلَّا إلى اللَّهِ) (( الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 2779 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] )) لكنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقبل، وأعطاهم حقّهم.

اقرأ أيضا: أحاديث عن فضل المسجد

أعمال الرسول في المدينة المنورة

بناء المسجد

أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقطع النخيل واستخدامه في بناء المسجد، كما أمر بإصلاح الخِرَب، وقد ثبت ذلك عنه في ما رواه أنس بن مالك قال: (كانَتْ فيه قُبُورُ المُشْرِكِينَ، وكانَتْ فيه خِرَبٌ، وكانَ فيه نَخْلٌ، فأمَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وبِالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قالَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ). (( الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 3932 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))

وقد بُني المسجد خلال أربعة عشر يوماً، إذ تعاون الجميع في بنائه، حتّى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كان يُساعد في نقل اللِّبن والحجارة، وقد روى عروة بن الزبير: (وطَفِقَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْقُلُ معهُمُ اللَّبِنَ في بُنْيانِهِ ويقولُ، وهو يَنْقُلُ اللَّبِنَ: هذا الحِمالُ لا حِمالَ خَيْبَرْ، هذا أبَرُّ رَبَّنا وأَطْهَرْ، ويقولُ: اللَّهُمَّ إنَّ الأجْرَ أجْرُ الآخِرَهْ، فارْحَمِ الأنْصارَ والمُهاجِرَهْ). (( الراوي : عروة بن الزبير | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 3906 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))

وعند الانتهاء من بنائه، تمّ بناء الحجرات حوله للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- وزوجاته -رضي الله عنهنّ-، ومن هنا فإن المسجد في الإسلام يحظى باهتمامٍ كبيرٍ، فهو من أعظم مظاهر الدولة الإسلامية، وفيه تُقام الصلوات الخمس، وهو مكانٌ للذِّكر، والتعبّد، والتعلّم، والاجتماع، والتكافل بين المسلمين جميعاً.

اقرأ أيضا: معلومات للاطفال عن الهجرة النبوية

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

حرص الرسول -عليه الصلاة والسلام- على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ولم يشهد التاريخ مثلُها؛ حيث آخى -عليه الصلاة والسلام- بينهم في أمورٍ كثيرة؛ بالمسكن، والملبس، وحتّى الميراث، إلى أن نزل قول الله -تعالى- بعدم جواز الميراث إلا للأرحام.

وقد شهِد الله -عز وجل- لهم في القرآن بذلك وأثنى عليهم؛ لِصدقِ الأنصار في مؤاخاة إخوانهم المهاجرين، فقال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

وقد حفظ النبي -عليه الصلاة والسلام- حقّ الأنصار في مالهم وتجارتهم، فلم يقبل طلب الأنصار في مقاسمة نخيلهم مع المهاجرين، بل اكتفى -عليه الصلاة والسلام- بأمرهم أن يُشاركوهم الثمر فقط؛ فعن أبي هريرة قال: (قالتِ الأنْصَارُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اقْسِمْ بيْنَنَا وبيْنَ إخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قالَ: لَا، فَقالَ: تَكْفُونَا المَئُونَةَ ونُشْرِكْكُمْ في الثَّمَرَةِ، قالوا: سَمِعْنَا وأَطَعْنَا). (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 2325 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))

وكان المهاجرون قد قاموا بالمؤاخاة مؤقتاً حتى يتسنّى لهم الاستقرار والسّعي لرزقهم في المدينة، إذ قدِموا بأنفسهم تاركين خلفهم في مكة مالهم وتجارتهم، وليتفرّغوا للجهاد في سبيل الله -تعالى-، وممّن يُضرب به المثل في السعي لرزقه من المهاجرين؛ الصحابي عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، فبمجرّد وصوله للمدينة، تعرّف على سوقها، وبدأ بتجارته، وتزوّج فيها.

اقرأ أيضا: أحاديث عن الهجرة النبوية الشريفة

وثيقة المدينة

كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- وثيقةً بين سكاّن المدينة من المهاجرين والأنصار وبين اليهود، قال ابن اسحق: “وكتب رسول الله كتاباً بين المهاجرين والأنصار، وادَعَ فيه يهود وعاهدهم، وأقرّهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم”.

وكانت هذه الوثيقة قبل معركة بدرٍ الكبرى، وتتضمّن معاهدةً بين يهود المدينة ومُسلِميها، وأساسها تنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع الذي يسكن المدينة، وهي بمثابة سلطةٌ قضائيّةٌ مُتمثّلةٌ برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومَرَدُّ جميع من وقَّع على هذه الصحيفة لله ورسوله.

اقرأ أيضا: ما هو مفهوم الهجرة النبوية

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3
مصدر 4

Exit mobile version