الهجرة النبوية قام بها الرسول صل الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من مكة المكرمة للمدينة المنورة هربا من بطش وأذى كفار قريش، ولإنشاء دولة إسلامية… سنقدم إليكم ما هو مفهوم الهجرة النبوية
ما هو مفهوم الهجرة النبوية
- الهجرة لغة مشتقّةٌ من هجر، والهَجْر هنا دالٌّ على القطيعة عكس الوصل، وهاجر المرء من مكانٍ لمكانٍ؛ يعني ترك المرء المكان الأوّل وانتقل للمكان الثاني، مثلما فعل المسلمون عندما هاجروا من مكة المكرمة إلى المدينة المنوّرة.
- الهجرة شرعا تعرف بأنها الانتقال من دار الحرب لدار الإسلام أي لأرض أكثر أمناً، وذلك تجنبا للفتن، والظلم مثلما فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم وصحابته عندما تركوا مكة المكرمة وانتقلوا للمدينة المنورة
أسباب الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنوَّرة
-
عدم تقبُّل مكَّة لدين الله الإسلام
- كان الرسول الكريم حَرِيصًا كل الحِرص على هداية قومه للإسلام، ودخولهم في دين التوحيد، فلقد استَعمَل صلَّى الله عليه وسلَّم معهم في الدعوة كلَّ أساليب الرِّفق بشتَّى صُوَرِه، كما دعاهم بالحكمة والموعظة الحسَنَة
– الدليلٍ على ذلك قولُه سبحانه وتعالى: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]
- إلا أن قريش أبَتْ الدخول في الإسلام وحاربت الله ورسولَه، لذلك بحَثَ الرسول صل الله عليه وسلم عن مكانٍ آخَر مناسب ليكون أكثر استِعدادًا لتقبل وقبول دعوته، تمثل هذا المكان في يَثرِب (المدينة المنوَّرة)
-
تعرض الرسول لصُنُوفٍ من الإيذاء
- تعرَّض الرسول للمحن العصيبة والابتِلاء الشَّديد؛ حيث آذاه قومُه بشتى أنواع الإيذاء فلقد استَخدَمُوا معه كلَّ ما يمكنهم من وسائل للقضاء على دعوته، وإخماد نور وحيِه، تمثَّل هذا الإيذاء في الكلام والفعل.
- لقد قالوا عنه: “ساحر، وشاعر، ومجنون”، ومنه: “لَمَّا نزلَتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، صَعِدَ النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – على الصَّفا، فجعَل يُنادِي: (يا بني فِهر، يا بني عَدِيٍّ) – لبطون قُرَيش – حتى اجتمَعُوا، فجعَل الرجل إذا لم يستَطِع أنْ يخرُج أرسَلَ رسولاً لينظُرَ ما هو، فجاء أبو لهبٍ وقريش، فقال: (أرأيتَكُم لو أخبرتُكم أنَّ خَيْلاً بالوادي تُرِيد أنْ تُغِيرَ عليكم، أكنتم مُصدِّقيَّ)، قالوا: نعم؛ ما جرَّبنا عليك إلاَّ صدقًا، قال:(فإنِّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ)، فقال أبو لهبٍ: تبًّا لك سائِرَ اليوم، ألهذا جمعتَنا؟ فنزلت: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ [المسد: 1 – 2]، صحيح البخاري (6/ 111).
- أخرج البخاري ومسلم وغيرهما أيضًا من حديث عمرو بن ميمون: “أنَّ عبدالله بن مسعود حدَّثَه أنَّ النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يُصلِّي عند البيت، وأبو جهل وأصحابٌ له جُلُوسٌ، إذ قال بعضهم لبعض: أيُّكم يَجِيء بسَلَى جَزُورِ بني فلان، فيضعه على ظهْر محمدٍ إذا سجَد؟ فانبَعَث أشقى القومِ فجاءَ به، فنظَر حتى سجَد النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فوضَعَه على ظَهرِه بين كتفَيْه، وأنا أنظُر لا أُغنِي شيئًا، لو كان لي مَنعَة! قال: فجعَلُوا يَضحَكُون ويُحِيل بعضهم على بعض، ورسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ساجدٌ لا يَرفَعُ رأسَه، حتى جاءَتْه فاطمة، فطرحَتْ عن ظهره، فرفَع رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – رأسَه ثم قال: (اللهمَّ عليكَ بقريش) ثلاثَ مرَّات، فشقَّ عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرَوْن أنَّ الدَّعوة في ذلك البلد مُستَجابة، ثم سَمَّى: (اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعُتبَةَ بن رَبِيعة، وشَيْبَةَ بن رَبِيعةَ، والوَلِيد بن عُتبَة، وأميَّة بن خلف، وعُقبَة بن أبي مُعَيط) وعَدَّ السابع فلم يُحفَظ، قال: فوالذي نفسي بيَدِه، لقد رأيتُ الذين عَدَّ رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – صَرعَى، في القَلِيب قَلِيب بدرٍ”، صحيح البخاري(1/ 57)، صحيح مسلم (برقم 1794).
-
إيقاع العَذاب بكُلِّ مَن آمَن بالرسول
- عاشَ المسلمون الفَترةَ التي مكثوها في مكَّة مضطهدين ومُعذَّبين فالكافرون كانوا لا يَرقُبون في المسلمين إلاًّ، ولا ذمَّة، حيث كان لا يوجد ظهر يحمي المسلمين ولا جيش يدافع عنهم، لذلك كان لا بُدَّ من التخلص من هذا الاضطهاد المستمرِّ، وتمثل الخلاص في الهِجرَة للمدينة لإقامة مجتَمَع آمِن يَعبُد فيهم المسلمين ربَّهم في مَأمَنٍ
-
ضَرُورة إقامة دولة إسلامية
- رأى الرسول صل الله عليه وسلم أنَّه مكلَّفٌ بتوصيل رسالةٍ عالميَّة الطريق إليها شاق، وقاس، وعسير لما لاقاه من مُحاوَلات لإحباط نشر دَّعوته داخل محيط ضيِّق لايتعدَّ قبيلتَه، والقبائل المُجاوِرة لذلك أراد أن ينشر دعوته بشكل واسع ويقيم دولة إسلامية من مكان أمن مستقر سياسيا
- استشعر النبي مسؤوليَّة قولِ الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة: 67]، وقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28] لذلك خطط الرسول للهِجرة التي سيعقبُها قيام دولة إسلامية
نتائج الهجرة النبويَّة
- إقامة دولة إسلاميَّة
- تُظِلُّ هذه الدولة تحتَ لوائها كُلَّ مَن قد آمَن بالله ليكون فَرْدًا صالحًا عابدا لربه دون خَوْفٍ من وجود عَدُوٍّ يتربَّص به، أو وجود كافر يَكمُن له
- نَجاةُ الرسول وأصحابه من أذى كُفَّار قريش الذين طغى وزاد أذاهم حتى وصَل لمُحاوَلة قتل واغتيال الرسول صل الله عليه وسلم
- تَرسِيخ مَبدَأ الإخاء بين المُهاجِرين من مكة والأنصار من المدينة، ولقد ترسَّخ المبدأ في نُفُوسهم بقوة حتى أن أحد الأنصار طلب من أخوه المهاجر أنْ يُقاسِمَه في زوجاته، وماله