سورة الحاقة هي السورة ذات الترتيب السابع والسبعين في تعداد ترتيب نزول سور القران الكريم، نزلت بعد نزول سورة الملك، وقبل نزول سورة المعارج، وهي سورة مكية بالاتفاق، عدد اياتها إحدى وخمسون اية شريفة، وتتمثل مقاصد سورة الحاقة الإجمالية في تنزيه الخالق ببعث الخلائق لإحقاق الحق وإزهاق الباطل بالكشف التام لشمول العلم للكليات والجزئيات وكمال القدرة على العلويات والسلفيات، وإظهار العدل بين سائر المخلوقات، ليميز المسلم من المجرم بالملذذ والمؤلم.
مقاصد سورة الحاقة
تأتي مقاصد سورة الحاقة تفصيلا على النحو التالي:
- الإخبار عن أهوال يوم القيامة العظيمة التي ستحل بالسموات والأرض في ذلك اليوم المشهود، وتتحدث عن أحوال الكفار الذين لم يؤمنوا بالرسالات التي أنزلها الله تعالى على رسله وأنبيائه وتبين العذاب والعقاب الذي سيحيق بهم، قال -سبحانه وتعالى-: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة * وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة * فيومئذ وقعت الواقعة}.
- الإشارة إلى التغيرات التي ستضرب الكون بأكمله وتغير من معالمه بسبب يوم القيامة.
- تناول أحوال الكافرين والمؤمنين يوم القيامة عند الحساب، فتصور المؤمنين في نعيم دائم وسعادة بالغة لا حصر لها، والكافرين في شقاء وعذاب مخيف لا يخفف عنهم ولا هم عنه يصرفون، فقال تعالى واصفا أحوال المؤمنين: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه * إني ظننت أني ملاق حسابيه * فهو في عيشة راضية}، وفي وصف أحوال الكافرين يقول تعالى: {خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه}.
- التشديد على صدق دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصدق الرسالة التي يحملها إلى البشر.
- توجيه الرد القاسي إلى الكافرين الذين يدعون أن القران كلام شعر أو كهانة، وتثبت الايات الكريمة في سورة الحاقة كذبهم وبطلان اتهاماتهم، قال تعالى: {وإنه لتذكرة للمتقين * وإنا لنعلم أن منكم مكذبين * وإنه لحسرة على الكافرين * وإنه لحق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم}، حيث تختم السورة بتعظيم شأن ومكانة القران الكريم.
اقرأ أيضا: تفسير سورة الحاقة للأطفال
موضوعات ومضامين سورة الحاقة
تعنى موضوعات ومضامين سورة الحاقة بأمور العقيدة، وتتحدث عن القيامة وأهوالها، كما تذكر عاقبة المكذبين، وتعقد مقارنة بين السعداء والأشقياء وحالهم في الآخرة، لكن المحور الرئيسي الذي تتناوله هو إثبات صدق القرآن الكريم.
ابتدأت سورة الحاقة ببيان أهوال القيامة والمكذبين بها وعقاب الله تعالى لهم الذي يحل بالمنكرين لوجوده والمكذبين برسله، وذلك من قوله تعالى: ( الْحَاقَّةُ {1} مَا الْحَاقَّةُ {2} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ {3}( ، إلى قوله تعالى : (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ {12}) .
تناولت الآيات الوقائع والفجائع التي تكون عند النفخ في الصور من خراب العالم واندكاك الجبال والأرض دكّةً واحدة، وذلك من قوله تعالى: ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ {13}) إلى قوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ {18}).
ذكرت الآيات حال السعداء وما يلاقونه من نعيم بعد أخذهم لكتاب أعمالهم باليمين، كما استعرضت الآيات مصير الأشقياء في ذلك اليوم المفزع وما يلاقونه من العذاب والمهانة، قال تعالى: ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ {19}) إلى قوله تعالى : (لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ {37}).
جاء بعد هذه الآيات القسم بصدق الرسول وصدق ما جاء به من الله، وردّ افتراءات المشركين حين قالوا أن القرآن سحر وكهانة، وذلك من قوله تعالى: ( فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ {38} وَمَا لَا تُبْصِرُونَ {39} ) إلى قوله تعالى : (تَنـزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ {43}).
ذكرت الآيات البرهان القاطع على صدق القرآن الكريم في تصوير يهز القلوب هزاً ويثير في النفس الفزع من هول الموضوع، وردت جميع الشبه التي يثيرها المشركون حول القرآن الكريم واختلاقه وذلك من قوله تعالى: ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ {44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ {45} )، إلى قوله تعالى : (فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ {47}).
خُتمت السورة بتمجيد القرآن وبيان أنه رحمةً للمؤمنين وحسرةً على الكافرين، قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ {48} وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ {49} وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ {50} وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ {51} فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ {52}).
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الزلزلة
لطائف سورة الحاقة
تكثر لطائف سورة الحاقة ومن ذلك مناسبتها لما قبله، فلما بنيت سورة {ن والقلم} على تقريع مشركي قريش وسائر العرب وتوبيخهم وتنزيه نبي الله صلى الله عليه وسلم عن شنيع قولهم وقبيح بتهم، وبين حسدهم وعداوتهم {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم (51)}، أتبعت بسورة الحاقة وعداً لهم وبياناً أن حالهم في سوء ذلك المرتكب قد سبق إليه غيرهم {كذبت ثمود وعاد بالقارعة (4)}، {فهل ترى لهم من باقية (8)}.
سورة الحاقة جارية مجرى جميع الآي المعقب بها ذكر عناد مشركي العرب ليتعظ بها من رزق التوفيق {لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية (12)}. ولما ذكر حال من هلك من الأمم السالفة بسوء تكذيبهم وقبيح عنادهم، أتبع ذلك بذكر الوعيد الأخراوي {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية (18)}، ثم عاد الكلام إلى ما بنيت عليه سورة {ن والقلم} من تنزيهه صلى الله عليه وسلم وتكريمه مقسماً على ذلك {إنه لقول رسول كريم (40) وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون (41) ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون (42)}.
وانتهى نفي ما تقوله منصوصاً على نزاهته عن كل خلة منها في السورتين {ما أنت بنعمة ربك بمجنون (2)} وما الذي جئت به بقول شاعر ولا بقول كاهن بل هو {تنزيل من رب العالمين (43)}، {وإنه لتذكرة للمتقين (48)}، {وإنه لحق اليقين (51)}، فنزه ربك وقدسه من عظيم ما ارتكبوه.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الحاقة