تُصنّف سورة الفجر ضمن سور المُفصّل، وعُدّت العاشرة في عداد نزول السور، نزلت بعد سورة الليل وقبل سورة الضحى، وعدد آياتها اثنتان وثلاثون عند أهل العدد بالمدينة ومكة، وهي ثلاثون عند أهل العدد بالكوفة والشام وعند أهل البصرة تسع وعشرون، تدور مقاصد سورة الفجر حول ذكر قصص بعض الأقوام المكذبين، وبيان سنة الله تعالى في ابتلائه لعباده في هذه الحياة الدّنيا، في الآخرة وأحوالها وأهوالها.
مقاصد سورة الفجر
ابتدأ الله -سبحانه وتعالى- سورة الفجر بالقسم بالفجر وذلك لبيان عظم قدر هذه الصلاة، والفجر لمسة حانية على قلوب المستضعفين، تلك القلوب التي ما فتئت تنتظر الفرج والفجر بعد ليل الظلم الطويل الذي ذكره الله -سبحانه وتعالى- في ثنايا هذه السورة كالصخر والأوتاد والطغيان والفساد، إنها آلة العذاب التي يعذب بها الطغاة شعوبهم المظلومة التي لا تملك شيئًا أمام آلات التعذيب تلك، فطمأنهم الله -سبحانه وتعالى- أنه سينتقم من فراعنتهم في الدنيا قبل الآخرة قال تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ}.
قال أحد السلف: كم عند ربنا من سياط! سوط واحد أهلكهم الله به ولهم في الآخرة أسواطًا وأسواطًا من العذاب، ومن مقاصد سورة الفجر تنبيه من الله -سبحانه وتعالى- على أن كثرة المال ليست عنوانًا لرضا الله -عز وجل- عن الشخص، وليست قلة النعم والمال عنوانًا لسخطه -سبحانه وتعالى-.
من مقاصد سورة الفجر بيان أن الحجر: هو العقل، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ* هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}، إن الله -سبحانه وتعالى- يقسم من خلقه بما شاء.
الراجح في الشفع والوتر أنه -سبحانه وتعالى- هو الوتر وكل شيء من دونه فهو شفع، والقسم بالليل لأن الليل يعم كل أرجاء الأكوان والمجرات، وهو محل تنزيل كلامه -سبحانه وتعالى- وفي {والليل إذا يسر} معناه سيران الناس بالليل، وكأن الفجر والليل دابتان تحملان الإنسان إلى قبره، أما قسمه -سبحانه وتعالى- بالحجر لينبه أن على المؤمن أن يتدبر ويتعقل، فلا يجوز له أن يخالف ما دلت عليه هذه الأقسام بالشرك بالله وعبادة ما سواه، وهو الخالق لها القائم بأرزاق العباد، والشرع وضع العقل بموضعه الصحيح فإنه لم ينكر مكانته، فالعقل يمنع الإنسان عن القبائح، وكفى بالعقل شرفًا أن يسير وراء الشرع ويدل صاحبه على ربه.
كل ما في السورة من قَسَم واستفهام وقصص وتقرير وأنباء تؤكد وتأمر الإنسان بأن يستيقظ ويتعظ بما حصل للأمم من قبل ويتدبر الآيات ويدرك معنى الابتلاء، ويحمد الله على الغنى والفقر، فيكرم اليتيم ويحض على إطعام المسكين، قبل أن يندم على تفريطه، فيقول {يا ليتني قدّمت لحياتي} ما كان ينبغي للعبد أن يكون ظالماً لنفسه جاهلاً، لا يفهم حكمة الله في الابتلاء بالنعمة والعمل للآخرة.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة البروج
لطائف سورة الفجر
تتناسب سورة الفجر مع سورة الغاشية التي تسبقها في ترتيب المصحف الشريف، حيث أنها بمثابة الاستدلال على آخر الغاشية الإياب والحساب، وأدل ما فيها على هذا المقصود الفجر بانفجار الصبح عن النهار الماضي بالأمس من غير فرق في شيء من الذات وانبعاث النيام من الموت الأصغر وهو النوم بالانتشار في ضياء النهار لطلب المعايش للمجازاة والحساب بالثواب والعقاب.
استهل الله سبحانه وتعالى لما تقدم ذكره في سورة الغاشية وجهاً آخر من الاعتبار، وهو أن يتذكروا حال من تقدمهم من الأمم وما أعقبهم تكذيبهم واجترامهم فقال: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد} إلى قوله {إن ربك لبالمرصاد} أي لا يخفى عليه شيء من مرتكبات الخلائق ولا يغيب عنه ما أكنوه.
الرابط بين السورتين كأن الله تعالى يقول: هلا اعتبر هؤلاء بما يعاينونه ويشاهدونه من خلق الإبل ورفع السماء ونصب الجبال وسطح الأرض، وكل ذلك لمصالحهم ومنافعهم، فالإبل لأثقالهم وانتقالهم، والسماء لسقيهم وإظلالهم، والجبال لاختزان مياههم وأقلالهم، والأرض لحلهم وترحالهم، فلا بهذه الأمور كلها استبصروا، ولا بمن خلا من القرون اعتبروا {ألم تر كيف فعل ربك بعاد} على عظيم طغيانها وصميم بهتانها {إن ربك لبالمرصاد} فيتذكرون حين لا ينفع التذكر {إذا دكت الأرض دكاً دكاً * وجاء ربك والملك صفاً صفاً * وجيء يومئذ بجهنم، يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى}.
اقرأ أيضا: فوائد من سورة الفجر