أجمع المفسرون على أن سورة الحديد سورة مدنية؛ لأن طابع هذه السورة هو طابع مدني، وتدل مقاصد سورة الحديد وموضوعاتها على ذلك، حيث كان فيها حديث عن الفتح، وأحوال الناس قبل الفتح وبعده، وقد قيل إنّ هذا الفتح كان فتح مكة المكرمة، أو صلح الحديبية، كما وذُكر فيها أيضاً حديثٌ عن أحوال المنافقين.
مقاصد سورة الحديد
من خلال التأمل في آيات هذه السورة الكريمة تتجلى لنا مقاصدها الرئيسة التي تتمثل في الموازنة بين الجانب المادي والروحاني، أما مقاصدها التفصيلية فقد جاءت وفق التالي:
- بيان أن الله تعالى هو الإله الواحد المستحق للعبادة حيث تَدِين له المخلوقات جميعاً، وتسبح بحمده، وتنطق بلسان الحال أو بلسان المقال بعظمته وجلاله.
- تناول بعض من أسمائه تعالى، التي تدل على تفرده وتوحده، فهو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، وأنه الظاهر بقدرته وآثاره، الباطن الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وأنه له ملك السماوات والأرض خَلْقاً وإبداعاً، وأنه العليم بكل ما يلج في الأرض، وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يَعْرُج فيها، وأن الأمور كلها راجعة إليه وحده سبحانه.
- التذكير بجلال الله تعالى، وصفاته العظيمة، وسعة قدرته وملكوته، وعموم تصرفه، ووجوب وجوده، وسعة علمه، والأمر بالإيمان بوجوده، وبما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أنزل عليه من الآيات البينات.
- التنبيه لما في القرآن من الهدي وسبيل النجاة، والتذكير برحمة الله ورأفته بخلقه.
- التحريض على الإنفاق في سبيل الله، وأن المال عَرَضٌ زائل، لا يبقى منه لصاحبه إلا ثواب ما أنفق منه في مرضاة الله.
- استعراض فريقين من الناس: فريق الجنة، وفريق السعير؛ فأما الفريق الأول: وهو فريق المؤمنين والمؤمنات، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، ليهديهم الصراط، فيدخلون الجنة. وأما الفريق الثاني: وهو فريق المنافقين والمنافقات، فإنه لا نور لهم، ويحال بينهم وبين نور المؤمنين، فلا يستطيعون اللحاق بهم، ويُسخر منهم، فيقال لهم: {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} (الحديد:13) فلا يستطيعون الرجوع إلى الدنيا ليعملوا بعمل المؤمنين حتى يلحقوا بهم.
- تحذير المسلمين من الوقوع في مهواة قساوة القلوب، التي وقع فيها أهل الكتاب من قبلهم من إهمال ما جاءهم من الهدى حتى قست قلوبهم، وجر ذلك إلى الفسوق كثيراً منهم.
- تمثيل الدنيا وما فيها من متاع زائل ولهو ولعب وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد، مثلتها بالزرع الذي سقاه المطر الوابل، حتى نَضَرَ، وأينع، وأُعْجِبَ به الزراع، ثم يصيبه الذبول والضمور، حتى يصير هشيماً تذروه الرياح، وكذلك أمر الدنيا، تتزين وتأخذ زخرفها، حتى يظن أهلها أنهم قادرون عليها فيأتيها، أمر الله ليلاً أو نهاراً بالفناء، فتصير كالزرع المحصود الذي لم يكن موجوداً بالأمس.
- الإيماء إلى فضل الجهاد في سبيل الله وحث الناس على ضرورة التضحية من أجل إعلاء كلمة الله.
- تشابه رسالة محمد صلى الله عليه وسلم برسالة نوح وإبراهيم عليهما السلام على أن في ذريتهما مهتدين وفاسقين. وأن الله أتبعهما برسل آخرين، منهم عيسى عليه السلام، الذي كان آخر رسول أُرسل بشرع قبل الإسلام، وأن أتباعه كانوا على سُنَّة من سبقهم، منهم مؤمن ومنهم كافر.
- حثُّ المسلمين على أن يخلصوا الإيمان لله سبحانه، وأن يتبعوا ما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعريضاً بالمنافقين، ووعدهم بحُسن العاقبة، وأن الله فضلهم على الأمم؛ لأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
اقرأ أيضاً: أسباب نزول سورة الحديد
موضوعات ومضامين سورة الحديد
خُتمت سورة الواقعة -وهي قبل سورة الحديد- بطلب التسبيح والتنزيه لله، قال تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} (الواقعة:96) وهذه السورة بُدئت بالتسبيح، قال سبحانه: {سبح لله ما في السماوات والأرض} (الحديد:1) فكان أول سورة الحديد واقع موقع التعليل لما في آخر سورة الواقعة، فكأنه قيل: {فسبح باسم ربك العظيم}؛ لأنه {سبح لله ما في السماوات والأرض}.
ويمكن إدراك موضوع ومضمون سورة الحديد من خلال الآية الأولى في السورة الكريمة بأنه سبح لله ما في السماوات والأرض، وهو العزيز خالق هذا الوجود كلّه، الحكيم الذي يدبر أمره بحكمته. وهذا هو مقصدها باعتبار ما أراده الله من مخلوقاته: إذ يُعْلمُنا الله سبحانه أن كل المخلوقات تسبّحه وتنزهه عما ليس فيه من النقص.
يدور موضوع السورة حول أن كل شيء في هذا الوجود هو ملك لله، الذي إليه ترجع الأمور، وقد أعطي الخيار في هذه الحياة الدنيا بأن يكون العبد مسؤولاً عن بعض أفعاله وهي الإيمان بالله وعبادته طواعية وقد أخذ عليه الميثاق بذلك.
يُعْلمُنا سبحانه أن هذه الحياة الدنيا جعلت ملعب يتسابقون فيه بالعمل الصالح إلى الفوز، كلّ يجزى بعمله، فإن آمن الإنسان بخالقه وأنفق وفعل ما طلب منه من العبادة والأخذ بأسباب السعادة، وانتهى عما نهي عنه من أسباب الشقاء، كان من الفائزين في الدارين. وإن كذّب وعبد غير الله وخالف أمره وفعل ما نهى عنه صار من الخاسرين في الدارين.
يتمثل مضمون سورة الحديد باعتبار رسالة الرسل في أن الله سبحانه يحب ويريد القسط بإقامة العدالة بين الناس، أرسل بذلك الرسل وأنزل معهم {الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط (25)}، وتكون العدالة بالميزان كما يلي:
- العدالة الأخلاقية: وهي تحتاج قوّة الحديد والقانون، فالمفسد يحارب بسبب إفساده، والمصلح يعان بسبب إصلاحه.
- العدالة المعيشية: وهي تتطلّب قوّة الإنتاج والإنفاق، فالعامل يكسب بمقدار عمله، والغير قادر يعان بسبب ضعفه.
أما بالنسبة لمضمون سورة الحديد باعتبار المطلوب أن يفعله الناس أولي الألباب فهو أن العاقل من يسابق في ملعب هذه الدنيا إلى الفوز بالمغفرة والجنّة، ولا يترك الفوز لغيره، بينما هو يلهو بحماقة عجيبة ويتفاخر ويتكاثر بدنيا هو على يقين بأنها زائلة، ويعميه لهوه وانشغاله بها عن النور الحقيقي فلا يرى ما هو فيه من الضلال والخسارة بالبعد عن طريق الحق إلى الخسارة بالخلود في النار.
اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة الكهف