أسباب نزول سورة الحديد
“وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”
تختلفُ أسباب النزول باختلاف الحادثة التي اقتضت نزول الآية القرآنية، فكلُّ سورة في كتاب الله تختصُّ بأسباب نزول دون غيرها، وأمّا فيما يخصُّ سورة الحديد فقد وردت رواية في سبب نزول أحد آياتِ هذه السورة، وهي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: “بينا النّبيّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- جالسٌ وعندَه أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ وعليهِ عباءةٌ قد جلَّلَها على صدرِه بِجِلال، إذ نزلَ عليهِ جبريلُ -عليه السَّلام- فأقرأَه من اللَّه السَّلام وقالَ: يا رسولَ اللَّهِ ما لي أرى أبا بَكرٍ عليهِ عباءةٌ قد جلَّلَها على صدرِه بجِلال، فقال: يا جبريلُ أنفقَ مالَه عليَّ قبلَ الفتحِ.
قال: فأقرِئهُ من اللَّه السَّلام وقُلْ لهُ يقولُ لَكَ ربُّكَ أراضٍ أنتَ عنِّي في فقرِك هذا أم ساخِطٌ؟، فالتفتَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- إلى أبي بَكرٍ فقالَ: يا أبا بَكرٍ هذا جبريلُ يقرئُك السَّلام من اللَّه ويقولُ أراضٍ أنتَ عنِّي في فقرِك هذا أم ساخطٌ؟، فبَكى أبو بَكرٍ وقالَ: أعلى ربِّي أغضبُ، أنا عن ربِّي راضٍ أنا عن ربِّي راضٍ”، فنزلَت هذه الآية. (( الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : أبو نعيم | المصدر : حلية الأولياء، الصفحة أو الرقم: 7/115 | خلاصة حكم المحدث : غريب من حديث الثوري ))
“أَلمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلوبُهُمْ لذكرِ اللهِ“
عن سعدٍ في قولِ اللهِ – عزَّ وجلَّ – نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ الآيةُ ، قال : أنزلَ اللهُ – تعالى – على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فتَلاهُ عليهم زمانًا ، فَقَالوا : يا رسولَ اللهِ ، لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنا ، فأنزلَ اللهُ – تعالى – الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إلى قولِهِ : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ الآيةُ ، فَتَلاها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ زمانًا ، فَقَالوا : يا رسولَ اللهِ ، لَوْ حَدَّثْتَنا ، فأنزلَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كتابًا مُتَشَابِهًا الآيةُ ، كلُّ ذلكَ يُؤْمَرُونَ بِالقرآنِ . قال خَلادٌ : وزادَ فيهِ آخرُ قال : قالوا : يا رسولَ اللهِ ، وْ ذَكَّرْتَنا ، فأنزلَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – أَلمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلوبُهُمْ لذكرِ اللهِ. (( الراوي : مصعب بن سعد | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : المطالب العالية، الصفحة أو الرقم: 4/126 | خلاصة حكم المحدث : حسن ))
كما ورد أيضًا أنه عندما قدم المؤمنون إلى المدينة من رفاهية العيش ولينها ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا، ونزلت هذه الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه)، قال ابن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلّا أربع سنوات.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَينِ مِنْ رَحمَتِهِ، فجعل الله لهم أجرين كأجر أهل الكتاب”
عن مقاتل بن حيان قال: عندما نزلت هذه الآية (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَينِ بمَا صَبَرُوا)، فرح مؤمنوا أهل الكتاب وفخروا على أصحاب النبي وقالو لهم لنا أجران ولكم أجر، فاشتدّ ذلك على الصحابة، فأنزل الله عزّ وجلّ: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَينِ مِنْ رَحمَتِهِ، فجعل الله لهم أجرين كأجر أهل الكتاب”. (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي، الصفحة أو الرقم: 5415 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح موقوفا ))
هل سورة الحديد مكية أم مدنية؟
إنَّ سورة الحديد واحدةٌ من السور المدنية التي أُنزلِتْ على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المنورة، وَحيًا من عند الله، بواسطة جبريل -عليه السّلام-، وتقول الروايات إنّها نزلتْ بعد سورة الزلزلة، ويبلغ عدد آياتِها تسعًا وعشرين آية، وترتيبها السابعة والخمسون، فهي في الجزء السابع والعشرين والحزب الرابع والخمسين من ترتيب المصحف الشريف، ولأنها سورة مدنية فقد تناولتْ -ككثير من السور المدنية- مسائل التشريع، وتناولت أيضًا مسائل العقيدة والأخلاق والتربية.
سبب تسمية سورة الحديد
إنَّ أسباب تسمية السور القرآنية تختلف وتتعدَّد، وقد تتفق بعض السور في سبب التسمية وتختلف في التسمية، فبعض سور كتاب الله سُمِّيت تيمُّنًا بقصة عُرضت في آياتِها كسورة الكهف أو البقرة، وكثير من السور سُمِّيت بأسماء كلمات بارزة في مطالعها أو في إحدى آياتِها وهذا حاضر في سورة البينة وسورة الواقعة والقارعة وغيرها من السور القرآنية التي سُمِّيت بأسماء وردتْ في آياتِها، وأمّا فيما يخصّ سورة الحديد فقد سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّها تناولتْ موضوع الحديد في إحدى سورها، وهو موضوع بارز في هذه السورة من سور القرآن الكريم تحديدًا، حيث قال تعالى: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّناتِ وَأَنْـزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ”.
اقرأ أيضًأ:
المصادر: