سورة الكهف من السور المكية التي أُنزلت على الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة، وتقع سورة الكهف في منتصف القرآن الكريم، وهي السورة الثامنة عشرة في ترتيب المصحف، ويمكن لقارئ القرآن الكريم أن يستنتج موضوعات ومضامين سورة الكهف من خلال تدبّر السورة وفهم مآلاتها.
موضوعات ومضامين سورة الكهف
تضمنت سورة الكهف عدة قضايا بالغة الأهمية، كما أنها احتوت عددًا من قصص العظة والعبرة، وتتمثل موضوعات ومضامين سورة الكهف في:
تمجيد الله وتأكيد وحدانيته
بدأت بتمجيد الله وتقديسه، وذكر منته على عباده بإنزال القرآن الكريم، كما أن الله تعالى وصف القرآن الكريم بأنه قيم، ومعنى ذلك أن هذا الكتاب يقيم حدًا فاصلًا بين الحق والباطل، كما أكدت الآيات على توحيد الله تعالى وتقرير وحدانيته، فأنذر الله المكذبين بوحدانيته وبيّن كذبهم، وذلك من قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَ) إلى قوله تعالى: (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً).
حقيقة البعث
تكرّر الحديث عن البعث في سورة الكهف حيث يُعتبر واحدًا من أبرز موضوعات السورة ومحاورها الرئيسية، وقد دلل الله تعالى على حقيقة البعث بذكر بعض القصص مثل:
قصة أصحاب الكهف
بعد المقدمة حول وحدانية الله تعالى وتقديسه، اعتنت سورة الكهف بإثبات البعث فتناولت السورة قصة أصحاب الكهف وهم فتية آمنوا بالله سبحانه وتعالى، وأقرّوا له بالوحدانية، ولما رأوا قومهم في ضلال وشرك آثروا أن يخرجوا من تلك القرية الضالّة ليفرّوا بدينهم، فتركوا قومهم واعتزلوهم إلى أن وجدوا كهفًا يأوون إليه، فكان لا يراهم أحد، ومعهم كلبهم يؤنسهم في وحشتهم، وفي هذه القصة دلالة على قدرة الله -تعالى- على إبطال السنن الكونية التي اعتاد الناس عليها ومخالفتها، فقد نام أصحاب الكهف ثلاث مئة وتسع سنين ولم تتلف أجسادهم وعادوا إلى الحياة مرة أخرى وفي هذا دليل على أن البعث حق والساعة آتية لا محالة، ويبدأ الحديث عن قصة أهل الكهف من قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) إلى قوله تعالى: (… نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا).
قصة صاحب الجنتين
انتقلت الآيات من الحديث عن قصة أصحاب الكهف للحديث مباشرة عن قصة صاحب الجنتين، قال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا)، وترتبط تلك القصة بموضوع البعث أيضًا فهي تمثل حوارًا بين رجلين أحدهما قد رزقه الله بجنتين عظيمتين مزروعتين تنبت الأعناب و الزروع، وتحيط بتلك الجنّتين أشجار النخيل، وبينهما نهرٌ أجراه الله لتُروى به، فنسي هذا الرجل فضل ربّه عليه وشغَلته نفسه، وحاور صاحِبَه وهو رجلٌ مؤمنٌ فقيرٌ بحوارٍ استعلائيٍّ قائلًا له إنه أكثر منه مالًا وولدًا وكل ذلك بفضله، وقال إنه لا يظن أن الله سيبعثه، وإن بعثه فإن له أفضل مما هو له وجنّات أفضل من هذه التي عنده، فقام صاحبه يذكّره بفضل الله عليه، وأن الله خلقه من ترابٍ ثم جعله رجلًا ورزقه من الطيبات بفضله، وأخذ يعِظه بأن يقول “ما شاء الله لا قوة إلّا بالله” حين يدخل جنّته بإرجاع الفضل لله في ذلك كله قبل أن يبعث الله عليه عذابًا يهلك الجنّتين ويتلف ثمارهما، وهو ما حصل بعد ذلك، فندم صاحب الجنتين، وعَلِم أن لا مُستحقّ للعبادة إلا الله.
قصة ذي القرنين
تحدثت سورة الكهف عن قصة ذي القرنين في سياق محور السورة حول البعث، وكان ذو القرننين ملكًا صالحًا آتاه الله قوّةً ورحمةً، وأعطاه من كل ما تتحصّل به القوة من علمٍ بالسياسة، فحكم بما يدل على أنه ملكٌ صالحٌ: (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا)، ثم أخذ بالأسباب وعاد يغزوا الأرض إلى أن وصل إلى أقصى ما وصل له الفاتحون لمطالع الشمس من بلاد الصين، ثم عاد راجعًا وأخذ بالأسباب التي أوتيت له حتى وصل إلى قومٍ أخبروه بفساد قومٍ آخرين يُدعوْن يأجوج ومأجوج، فطلب القوم منه أن يجعل بينهم مانعاً، فطلب ذو القرنين منهم العون وجعل بينهم جبلاً عظيماً من النحاس والحديد يصل بين السدين ليمنع قوم يأجوج ومأجوج من الإفساد، قال تعالى على لسان ذي القرنين: (قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) للدلالة على حقيقة البعث وحتميته.
اقرأ أيضًا: أحاديث عن سورة الكهف
اعتنت سورة الكهف بعد التأكيد على حقيقة البعث بمحور آخر وهو العصمة من الفتن وقد تضمنت بعض الموضوعات المتعلقة بذلك وهي كالتالي:
فتنة إبليس
يورد الله سبحانه في هذا الجزء من السورة الذي يعتني بالفتن قصة آدم وإبليس، إذ أمر الله إبليس والملائكة بأن يسجدوا لآدم عليه السلام، فامتثلت الملائكة لأمر الله تعالى، واستكبر إبليس ورفض ذلك الأمر حاسداً لآدم عليه السلام، كما ويَنهَى الله في هذه الآيات البشر من أن يتّبعوا إبليس وذريّته لأنهم سيضلّوهم عن طاعة رب العالمين. (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا).
الاعتصام بالكتاب والسنة
اشتملت سورة الكهف على توجيهات بضرورة الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة نبيه بعد الحديث عن فتنة إبليس وسعيه الحثيث لإضلال العباد عن ربهم، فعلى الإنسان أن يعتصم بكتاب الله ويتبع ما جاء فيه ويتعظ بما علم من سنة الأولين؛ لأنه إذا لم يتذكر بآيات الله وأعرض عنها، فلن ينفع معه الهدى أبدًا. (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا).
رحلة موسى والخضر
جاءت رحلة نبي الله موسى والعبد الصالح الخضر عليه وسط الحديث عن الاعتصام من الفتن، ولعل ذلك يرتبط بعدة أسباب منها: أن نبي الله موسى كان يعتقد أنه ليس هناك أحد أكثر منه علمًا على الأرض، فالعلم قد يكون فتنة أيضًا؛ لذلك على الإنسان ألا يغتر بعلمه، ولما علم موسى عليه السلام بأن هناك شخص أعلم منه خرج لمصاحبته، وكان ذلك الشخص هو الخضر العبد الصالح الذي آتاه الله من العلم والرحمة.
السبب الثاني لذكر رحلة موسى عليه السلام والخضر في هذا الموضع من السورة أنها تعبر عن موقف الإنسان حيال الفتن التي يُشاهدها؛ لذلك يجب التحلي بالصبر وعدم الاستعجال بالسؤال والاعتراض، فتخبر السورة عن انطلاق موسى والخضر معًا يبحثان عن سفينةٍ تحملهما، فوجدا سفينةً جديدةً حسنة وقد قبِل أصحابها بحملهما، وحين صعدا إليها أخرج الخضر منقاراً ومطرقة فخرق السفينة، فراجعه موسى عليه السلام بفعلته، فقال له الخضر: (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، فانطلقا مرّةً أخرى فلقيا طفلاً فقتله الخضر، فراجعه موسى -عليه السلام- بما قام به وأنكر عليه ذلك، فقال له الخضر: إن سألتني عن أمرٍ آخر فسيكون ذلك فراقًا بيني وبينك، فانطلقا فوصلا إلى قريةٍ فطلبوا من أهلها الطعام، فرفضوا أن يطعموهما، وجلسا عند جدارٍ يكاد يسقط؛ فبناه الخضر من جديد، فاعترض موسى -عليه السلام- على ذلك، فقال له الخضر: إن هذا فراق بيني وبينك، ثم حدّثه بالحكمة من كل فعلٍ فعله، فأخبره أنّ السفينة سيأخذها ملكٌ ظلماً إن لم يحصل فيها عيب، وقتَل الغلام لكي لا يفتن والديه عن الحقّ، والجدار بناه لكي لا يظهر كنزٌ يعود لطفلين يتيمين قبل أن يكبرا.
جزاء من غرق بالفتن ومن نجى منها
خُتمت السورة الكريمة بالحديث عن يوم القيامة ومصير الغرق في الفتن والنجاة منها فتستعرض أحوال الكافرين الذين غرقوا في الفتن وما يلاقونه من عذاب نظير ذلك، مع استعراض نعيم المؤمنين في الآخرة ممن نجوا من الوقوع في تلك الفتن، وذلك من قوله تعالى : (وَترَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً) إلى قوله تعالى : (…فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).