سورة الشورى من السور القرآنية التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، وسُميت السورة بهذا الاسم تنويها بمكانة الشورى في الإسلام، وتعليما للمؤمنين أن يقيموا حياتهم، على هذا المنهج الأصيل الأكمل؛ لما له من أثر عظيم جليل في حياة الفرد والمجتمع، وتتعدد مقاصد سورة الشورى وما اشتملت عليه من موضوعات ومضامين.
مقاصد سورة الشورى
هدف سورة الشورى هو الاجتماع على الدين، والتحذير من الفرقة، والأمر بالشورى، وقد جاءت مقاصد سورة الشورى تفصيلا كما يأتي:
تنزيل الوحي وبيان مقاصده
تظهر الآيات الأولى من سورة الشورى أنَّ الدين الذي يدعو إليه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- جاءه بأحكامه أنبياء الله الصالحون من قبل، وكلُّه حق، ومن اتخذ من غير الله آلهة، فالله تعالى يجزي كلَّ إنسان بحسب عمله، ولو شاء لترك الناس دون حساب ولكنَّ هذا يؤدي إلى معاملة الإنسان صاحب العقل معاملة بقية المخلوقات المنزوع منها العقل، ثمَّ تنكر الآيات القرآنية على المشركين إشراكهم بالله تعالى، فالله هو الواحد القاهر فوق عباده، القادر على البعث والنشور، وعلى إحياء الناس بعد موتها.
وذلك من قوله تعالى: (حم * عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) إلى قوله تعالى: (اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
جزاء المؤمنين والظالمين
تشير هذه الآيات على أنَّ كتاب الله تعالى هو الكتاب الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتبين أيضًا أنَّ الناجين هم العاملون بأحكام هذا الكتاب العظيم، ثمَّ توضِّح الآيات الكريمة أنَّ الله تعالى لطيف بعباده أجمعين، يرزق الكافرين والمؤمنين في الدنيا من عنده، ولكنَّه يوم القيامة يخصُّ المهتدين بجنات النعيم، وفي هذا تخيير للناس، فمن أراد الجنة عمل لها وسعى إليها في حياته،.
ثمَّ تطرح الآيات تساؤلًا وهو هل وجد الكافرون في غير شريعة الله ما يغنيهم عن شريعة الله الأحد، وإنَّما هؤلاء يستحقون العذاب في الحياة والآخرة، ولكنَّ كرم الله وفضله أخَّر لهم العذاب إلى يوم القيامة، يوم يتملكهم الخوف والرهب مما ينتظرهم، ويوم يهنأ المؤمنون في الجنان خالدين فيها أبدًا.
وذلك من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ …) إلى قوله تعالى: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ).
آيات الله الدالة على قدرته وحكمته في الكون
تستعرض هذه الآيات بعض الدلائل على عظمة الله الخالق، كالسفن التي تجري في البحر، والرياح التي تسير بأمر الله تعالى، ثمَّ تذكر الآيات أنّ نعم الدنيا ومتاعها زائل وأنَّ الخالد هو نعيم الآخرة فقط، ثمَّ تصفُ الآيات المؤمنين بالحلم والعزيمة والعفو والمسامحة، ومن صفاتهم أنهم لا يقبلون بالذل وأنَّهم يعفون عندما يستطيعون العفو، وليس على من قابل العدوان بالمثل لوم ولا عتب، فاللوم على من يبدأ بالعدوان والظلم، والعفو والرحمة أكثر ثوابًا وأجرًا عند الله تعالى.
وذلك من قوله تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ …) إلى قوله تعالى: (صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ).
اقرأ أيضا: أحاديث عن الشورى
موضوعات ومضامين سورة الشورى
افتتحت السورة بذكر القرآن والوحي : كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ واختتمت به : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) إشارة الى أهمية القرآن في دفع الاختلاف عن الأمة، وسمي القرآن روحا: كناية عن أنه لا تستقيم الحياة بدون القرأن كما أن الأبدان لا تستقيم بدون الأرواح.
تحدثت السورة عن الاختلاف:
- الاختلاف في أمور الاعتقاد : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
- اختلاف في لغة الوحي والشرائع : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا).
ثم ذكرت أسباب الاختلاف وهي كالتالي:
- عدم الإيمان والصد والمحاجاة عن الدين: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ).
- الافتتان بمتاع الدنيا الزائل والاقتتال عليها : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ).
- الشرك بالله واتباع الاهواء : (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)، (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ).
- القول على الله بغير علم: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور).
قدمت السورة عدة حلولا لعلاج الاختلاف والفرقة وهي كالتالي:
- الإنفاق والمؤاساة فيما في اليد: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
- العفو والصفح عن المسيء : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) وقال تعالى أيضا: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
- الشورى : (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
- الإذعان للحق وإن صعب وشق الرجوع الى حكم الله وكتابه: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
- الدعوة إلى ما وصى الله به أولو العزم من الرسل: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة النمل
لطائف سورة الشورى
اشتملت سورة الشورى على عدة لطائف قرآنية منها: ما جاء في قوله -تعالى-: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ}، حيث يمكن التساؤل حول وجوه قراءات القران الجائزة في {يعلم} فتأتي الإجابة كما يأتي: يجوز الجزم على ظاهر العطف، وأما الرفع فجائز على الاستئناف، وأما النصب فجائز للعطف على تعليل محذوف وتقديره: لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون.
وفي قوله -تعالى-: {وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاء قَدِيرٌ} وتحديدا في قوله: {وَما بَثَّ}، فإنه يجوز الرفع والجر وحمله على المضاف أو المضاف إليه، فإذا ما قيل في الآية الكريمة {فِيهِما مِنْ دابَّةٍ}: لم جاز فيها ذلك والدواب في الأرض وحدها؟ فإن إجابة هذا التساؤل تكون بقول جواز نسب الشيء إلى جميع المذكور حتى وإن كان ملتبسا ببعضه، أي كما في جواز القول: بنو تميمٍ فيهم شاعرٌ مجيدٌ أو شجاعٌ بطلٌ.
أما في قوله -تعالى-: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ* وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}، إنه قد ثبت عن الاية الكريمة السابقة في مصاحف العراق {فَبِما كَسَبَتْ}؛ أي بإثبات الفاء على تضمين “ما” معنى الشرط، أما في مصاحف أهل المدينة فنجدها {ِبمَا كَسِبِتْ} بغير فاء على أن “ما” مبتدأة، و”بما كسبت” هي الخبر بدون تضمين معنى الشرط، والاية هنا مخصوصة بالمجرمين، ولا يوجد مانع من استيفاء الله -تعالى- بعض عقاب المجرم والعفو عن بعض.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الشورى