سورة النمل من السور المكية، ويبلغ عدد آياتها ثلاث وتسعون آية، وسميت سورة النمل بهذا الاسم؛ لأن قصة وادي النمل قد ذُكرت في ثناياها، وتُعد موضوعات ومضامين سورة النمل شديدة الأهمية حيث أنها حوت منظومة من قصص القرآن كما أكدت على أن الدين الإسلامي ليس دين عبادة فقط وإنما هو دين يجمع بين العلم والعبادة معًا.
موضوعات ومضامين سورة النمل
يدور محور سورة النمل حول أهمية الإيمان بالله تعالى مع التفوق الحضاري، وقد جاءت موضوعات ومضامين سورة النمل كالتالي:
معجزة القران الكريم
بدأت سورة النمل بالحدث عن معجزة القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تنزيلًا محكمًا، ويتسم القرآن الكريم بالبيان، فقد جعل الله آيات هداية للمؤمنين وتبشيرًا لهم بالثواب العظيم الذي سينالونه من الله في الآخرة نظير إيمانهم. وذلك من قوله تعالى: (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ {1} هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {2}).
صفات المؤمنين والكافرين وجزاؤهم
أوضحت الآيات صفات المؤمنين، فذكرت أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وذلك بعدما أيقنوا أن الآخرة حق لا محالة، وبعدها انتقلت الآيات للحديث عن الفريق الثاني الذين لا يؤمنون بالآخرة ممن زُينت لهم أعمالهم، فلم يعدوا يتفكرون في خطورة الطريق الذي يسلكونه، ومن ثم فإن جزاء هذا الفريق هو العذاب الشديد والخسران في الآخرة، وعادت الآيات لتعرج مرة أخرى على القرآن الكريم من خلال إعلان أنه ينزل على النبي صلى الله عليه من لدن حكيم عليم. وذلك من قوله تعالى: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {3}) إلى قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ {6}).
نداء الله تعالى لموسى عليه السلام بوادي طوى
تناولت سورة النمل قصة نبي الله موسى عندما نداه الله بالواد المقدس طوى، ويتصل هذا المقطع من السورة بالموضوعين السابقين، حيث أوضحت الآيات أن الله أيّد نبيه موسى بالآيات، ولكنه عندما ذهب إلى قومه الطغاة، وصفوه بالسحر فأولئك من الفريق الثاني الذي أشارت إليه الآيات بأنهم لا يؤمنون بالآخرة رغم سطوع البراهين إليهم وذلك من قوله تعالى: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا …{7}) إلى قوله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {14}).
الإيمان والتقدم الحضاري
في سورة النمل خطة محكمة لبناء مؤسسة أو شركة أو مجتمع أو أمة غاية في الرقي والتفوق من خلال آيات قصة سيدنا سليمان مع بلقيس ونستعرض عناصر قوة هذه المملكة الراقية التي يعلمنا إياها القرآن الكريم:
- أهمية العلم: ابتداء القصة من قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ {15}) فقد كان عند داوود وسليمان تفوق حضاري بالعلم الذي آتاهم إياه الله تعالى وهم مدركين قيمة هذا العلم.
- توارث الأجيال للعلم: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ {16}) والاهتمام باللغات المختلفة (لغة الطير) وأهمية وجود الإمكانيات والموارد والعمل على زيادتها (وأوتينا من كل شيء).
- وجود نظام ضبط وربط ووجود تعدد في الجنسيات والكائنات: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ {17}).
- أهمية التدريب الميداني للأفراد: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ {20}) بدليل أن الهدهد كان في مهمة تدريبية.
- تفقد الرئيس ومتابعيه لعمّاله: (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ {21}).
- إيجابية الموظفين في العمل الإستكشافي وتحري المعلومات الصحيحة: فالهدهد كان موظفاً غير عادي وكان عنده إيجابية وجاء بأخبار صحيحة ودقيقية (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ {21}).
- مسؤولية الموظفين تجاه الرسالة: (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ {24}) فالهدهد استنكر أن يجد أقواماً يعبدون غير الله وهذا حرص منه على رسالة التوحيد.
- أهمية تحرّي الأخبار والتأكد من صحتها وتحليلها: (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ {27}) لم يصدق سليمان الهدهد بمجرد أن أخبره لكنه أراد أن يتحرى صدقه فيما أخبر به وهذا حرص المسؤول على صدق ما يصله من معلومات من عمّاله.
- تجربة تحرّي الأخبار: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ {28}) تبين الآية إرسال الكتاب مع الهدهد إلى بلقيس وقومها.
- أهمية الشورى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ {32}) حيث تظهر الآية مشاورة بلقيس لقومها.
- سياسية جس النبض: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ {35}) فقد أرسلت بلقيس هدية لسليمان لترى ردة فعله.
- امتلاك قوة عسكرية هائلة: (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ {37}) وهي ضرورية لأية أمة تريد أن تنشر دين الله في الأرض وتدافع عنه.
- التكنولوجيا الراقية: وذلك من قوله تعالى (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ {38}) إلى قوله تعالى: وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ {40}) حيث تضمنت الآية نقل عرش بلقيس في زمن قياسي من مكانه إلى قصر سليمان وهو ما يعرف في عصرنا الحاضر بانتقال المادة
- الذكاء والدبلوماسية في السياسة: (فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ {42}) فقد أجابت بلقيس كأنه هو حتى لا يظهر أنها لا تعرف.
- الاستسلام أمام تكنولوجيا غير عادية: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {44}) كانت تقنية جعل الزجاج فوق الماء أمرًا غير عادي في ذلك الزمان فلم تستطع بلقيس إلا أن تسلم. وهنا نلاحظ الفرق بين ردّ بلقيس التي كانت تقدّر العلم فقد بهرتها هذه التكنولوجيا التي رأتها بأم عينها فأسلمت مباشرة بلا تردد، أما في الآية (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ {13}) في قصة سيدنا موسى اعتبر قومه الآيات المعجزة التي جاء بها سحر لأنه لم يكن لديهم علم أو تكنولوجيا.
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة الأنفال
قصص الأنبياء مع أقوامهم للتذكير والاعتبار
بعد بيان أسس التقدم الحضاري المصحوب بالإيمان في قصة نبي الله سليمان التي تُعد قصة مركزية في سورة النمل، تناولت الآيات قصة النبي صالح وأعقبتها بقصة لوط عليهما السلام، وكل هذه القصص غرضها التذكير والاعتبار، وبيان سنة الله تعالى في إهلاك المكذبين عندما لا يستجيبون للرسالات الإلهية، من قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ {45}) إلى قوله تعالى : (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ {58}).
البراهين الدالة على وحدانية الله تعالى
ذكرت الآيات بعد ذلك البراهين الدالة على وحدانية الله تعالى مثل خلق السماوات والأرض ونزول المطر وتهيئة الأرض للمعيشة وتثبيتها بالجبال وجعل الأنهار خلالها إضافةً إلى إجابة المضطر وهداية الضال في البر والبحر وإلى غير ذلك من دلائل الوحدانية والقدرة الإلهية لله تعالى، من قوله تعالى : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ {59}) إلى قوله تعالى : ( بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ {66}).
إنكار المشركين للبعث والرد عليهم
في الجزء الأخير من السورة، تناولت الآيات شبهات المشركين في الإيمان بالآخرة والبعث والنشور وأردفتها بذكر الدلائل القاطعة على حقيقة البعث مع ذكر بعض الأهوال التي تكون بين يدي الساعة، وذلك من قوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ {67} إلى قوله تعالى : ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {93}).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة النحل