تُعد سورة لقمان من السور المكية، وقد قال بذلك ابن عباس ووافقه جمهور المفسرين، وهي السورة الحادية والثلاثين في المصحف العثماني، أما من حيث ترتيب النزول فقد نزلت قبل سورة سبأ وبعد سورة الصافات، وتدور موضوعات ومضامين سورة لقمان إجمالًا حول أصول العقيدة الإسلامية.
موضوعات ومضامين سورة لقمان
يتمثل المحور الرئيسي لسورة لقمان في بيان الآيات والنعم التي منّ الله بها على خلقه مع الدعوة إلى الإيمان وشكر الله تعالى، وقد جاءت موضوعات ومضامين سورة لقمان تفصيلًا كالتالي:
وصف القرآن الكريم
ابتدأت سورة لقمان بقوله تعالى: (الم*تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ*هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ) حيث وصفت القرآن الكريم بأنه الكتاب الذي أحكمت اياته، ومعانيه، بما اشتملت عليه من بيان أمور الحلال والحرام، كما أنه الكتاب الذي يهدي من الضلالة والغواية بحيث يُرشد العباد إلى الجنة بسلوك الطريق الموصل إليها، ووصفت الآيات القرآن الكريم أيضا بأنه رحمة بما يحتوي عليه من الزجر عن استحقاق العذاب، ويعتبر القرآن الكريم رحمة وهدى للمحسنين الذين أحسنوا لأنفسهم بإيمانهم بالله تعالى.
وصف المؤمنين وجزاؤهم
تناولت سورة لقمان في ثناياها عددا من صفات المؤمنين، وفيما يأتي عرض لبعضها:
- إقامة المؤمنين للصلاة، وإيتائهم الزكاة، وإيمانهم بالغيب بيقين دون شك أو ريب؛ فقد وصف الله -تعالى- عباده المؤمنين بأنهم: يقيمون الصلاة؛ أي يؤدونها على الوجه الذي أراده الله؛ بحفظ وقتها، وأركانها، والخشوع فيها، والالتزام بادابها، ويؤتون الزكاة؛ أي يدفعونها إلى مستحقيها عن طيب نفس؛ طمعا في نيل رضا الله -سبحانه-، والتقرب منه، كما أنهم يؤمنون بالأمور الغيبية غير المشاهدة، وأهمها: اليوم الاخر؛ ولذلك فقد التزموا طريق الهداية، فهم على نور وبصيرة من ربهم، فنالوا الفلاح والفوز بموعود الله الذي أعده للمؤمنين في الاخرة؛ بدخول جنات النعيم.
- الانقياد لأمر الله -تعالى-، ولزوم ما أمر به من الشرائع، والانتهاء عما نهى عنه، والإخلاص القلبي في الإيمان، فمن حقق ذلك فقد استمسك بالعروة الوثقى؛ أي الميثاق الغليظ من الله؛ بإبعادهم عن العذاب، ووقايتهم منه.
قال الله -تعالى- في سورة لقمان ذاكرا جزاء المؤمنين الصالحين: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ*خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّـهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فذكر الله جزاء مَن آمن به حق الإيمان، فامتثل شريعته، وانقاد لأمره، وعمل الصالحات، ولزمها، إذ يكرمه الله بأن يدخله جنات النعيم؛ حيث ينعم فيها ولا يبأس، ويخلد فيها فلا يفنى، ويتقلب في مختلف أنواع النعيم وأشكاله.
وصف الكافرين وجزاؤهم
ذكر الله -سبحانه- في سورة لقمان صفات للكافرين، وبيّن جزاءهم على تلك الأفعال، وبيان ذلك فيما يأتي:
- إضلال الكافرين عن سبيل الله؛ إذ كانوا يستخدمون كل وسيلة للصد عن سبيل الله، ومنع الناس من اتباع الهدى، فقد كان النضر بن الحارث يسافر إلى بلاد فارس ليشتري كتبهم، ويأتي بها إلى المسلمين، ويحدثهم بما ورد فيها، فينشغلوا بتلك الأحاديث عن الكلام الحق، وبالقصص الواردة في تلك الكتب عن القصص الواردة في كتاب الله، كقصص عاد، وثمود، والأقوام السابقين.
- مجادلتهم للمؤمنين دون علم، فبالرغم من وضوح الدلائل، وسطوع البراهين على إثبات توحيد الله، إلا أن الكافرين يصرون على مجادلة أهل الحق دون علم يستندون إليه، أو حجة يحاجون بها، قال الله -تعالى- واصفا حالهم: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ).
آيات قدرة الله
تجلت في ايات سورة لقمان البراهين والأدلة على إثبات وحدانية الله، وعظمته، ومنها: قدرته على الإحياء، والإماتة، والبعث والنشور بعد الموت، وخلق الإنسان بعدة مراحل، وخلق السماوات والأرض وما بينهما، في حين تعجز الأصنام التي اتخذها الكافرون الهة عن فعل شيء من ذلك، فضلا عن كونها عاجزة عن جلب نفع أو دفع ضر لأي أحد، وبذلك تبطل دعوى المشركين بالله، وتثبت الدعوة إلى الحق والصراط السوي.
ومن الايات التي دلت على عظمة الله -سبحانه-، وقدرته في الافاق: خلق السماوات دون عمد قائمة بأمر من الله، وخلق الجبال التي تثبت الأرض، فتمنعها من الاضطراب، إضافة إلى ما بثه الله في الأرض من الدواب مختلفة الأنواع، وما أنبت فيها من زروع متنوعة الأصناف المروية بماء واحد. قال الله -تعالى-: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ*هَـذَا خَلْقُ اللَّـهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة العنكبوت
وصايا لقمان لابنه
تضمّنت سورة لقمان عددا من الوصايا التي أوصى بها لقمان ابنه وهي كالتالي:
- النهي والزجر عن الشرك بالله؛ فكان النهي عن الشرك الذي يعد أكبر الذنوب أول وصية من لقمان لابنه، كما حثه على توحيد الله وعبادته؛ إذ إن عبادة الله وحده هي المهمة الأساسية للإنسان في الحياة الدنيا، فما خلق الله الإنس والجن إلا لعبادته، قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّـهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
- الحث على بر الوالدين؛ فقد عطف لقمان على الدعوة إلى ترك الشرك بالحث على بر الوالدين، مما يدل على اقتران التوحيد والعبادة بالبر والإحسان إلى الوالدين؛ لمكانتهما العظيمة، ومنزلتهما الرفيعة، وقد خص الله -سبحانه- الأم بالإحسان والبر؛ لما تعانيه أثناء الحمل والولادة من المكابدة والمشقة، وما تمر به أيضا من الجهد والعناء في حضانة الولد، وكل ذلك يستدعي إظهار الرفق واللين لهما، قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
- مخالفة أوامر الخلق إن كان في اتباعها معصية للخالق؛ فلا طاعة لمخلوق في أي أمر يخالف أوامر الشريعة، مهما بلغت منزلة ذلك المخلوق ومكانته، حتى وإن كان أحد الوالدين، مع التأكيد على وجوب مصاحبتهما بالمعروف والإحسان، قال -تعالى-:(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
نعمة التسخير
بعد استعراض وصايا لقمان لابنه، تتحدث آيات سورة لقمان عن نعمة التسخير، حيث أن الله تعالى أنعم على عباده بالعديد من النعم ومنها تعاقب الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر إضافةً إلى جريان الفلك بنعمت الله في البحر، وفي هذا السياق تحدثت الآيات عن طبيعة الإنسان في اللجوء إلى الله تعالى وقت الشدائد، وحالهم بعد زوال تلك الشدائد، فمنهم من يقتصد ومنهم من يجحد بآيات الله. ويقع هذا الجزء من قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ…) إلى قوله تعالى: (… فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ).
الحث على تقوى الله
حثّت آيات سورة لقمان على لزوم تقوى الله؛ إذ إن العبد ينال بسببها الأجور العظيمة يوم القيامة، ولا تنفعه شفاعة أحد من الأقارب؛ ولهذا لا ينبغي للمسلم أن يضعف عن الإعداد لذلك اليوم؛ بما تُسوفه له النفس من الآمال، أو بما يقذفه الشيطان في قلبه من الوساوس، أو بما تزينه الحياة الدنيا من الملاهي والمغريات، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ).
علم الله بمفاتح الغيب
تتجلى عظمة الله في اطلاعه على البواطن كاطلاعه على الظواهر، كما أنه عليم بمفاتح الغيب، فلا يعلمها إلا هو؛ فيعلم وقت الساعة، وما في الأرحام، وما تكسب النفوس، وفي أي أرض تموت، كما أنه القادر على إنزال الأمطار، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة المؤمنون