نزلت سورة المؤمنون بمكة المكرمة؛ لذلك تعالج موضوعات ومضامين سورة المؤمنين أصول الدين مثل قضية التوحيد والتأكيد على حقيقة الرسالة وحتمية البعث، ويبلغ عدد آياتها مئة وثماني عشر آيةً، وترتيبها بين سور القرآن الكريم في المصحف الثالثة والعشرين، وأما ترتيبها بحسب النزول فهي السورة السادسة والسبعون، حيث نزلت بعد سورة الطور، وقبل سورة تبارك.
موضوعات ومضامين سورة المؤمنون
يرجع سبب تسمية السورة بسورة المؤمنون إلى تخليد المتصفين بالإيمان والإشادة بمآثرهم وفضائلهم الكريمة التي استحقوا بها ميراث الفردوس الأعلى في الجنة، وتتمثل موضوعات ومضامين سورة المؤمنون تفصيلًا في:
بيان صفات المؤمنين
ابتدأت السورة بالإشادة ببيان صفات المؤمنين وفضائلهم الكريمة، واستهلت الآيات هذه الصفات بالخشوع في الصلاة والمقصد من ذلك هو الشعور بقرب الله تعالى واستحضار عظمته في قلب المؤمن من أجل طمأنة القلب ومنحه السكينة، مما يؤدي إلى قلة الحركات والالتفاتات فلا يبقى مكانًا لوساوس الشيطان وأفكاره الرديئة التي يزرعها في نفس الناس، فالخشوع بمثابة روح الصلاة.
انتقلت الآيات لتوضح أن الصفة الثانية هي الإعراض عن اللغو حتى تتنزه النفوس وتترفع عن الكلام الذي لا طائل من ورائه ومن ثم إيتاء الزكاء على اختلاف أجناس الأموال فضلًا عن ضرورة حفظ الفروج بحيث يتجنب المؤمن الزنا وكل ما يؤدي إليه من قول أو فعل حتى لو كان بالنظر أو باللمس، ويستثنى من ذلك ما أحله الله للعبد مثل الزوجات والإيماء المملوكات.
ومن صفات المؤمنين أيضًا حفظ الأمانة ورعاية الحقوق حتى أدائها لأهلها إضافةً إلى المحافظة على الصلاة وأدائها في وقتها ومراعاة كافة شروطها وأركانها وواجباتها، ومن ثم أوضحت الآيات جزاء المؤمنين حال التمسك بتلك الصفات، وذلك الجزاء يتمثل في الفردوس والخلود في نعيم الجنة. ويبدأ هذا القسم من قوله تعالى 🙁 قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2}) إلى قوله تعالى : (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {11}).
أدلة وحدانية الله
تستعرض سورة المؤمنون بعد ذلك الأدلة المؤكدة على وحدانية الله تعالى وقد تناولت خلق الإنسان من نطفة في قرار مكين، وفي هذا إشارة إلى إمكانية البعث؛ لأن الله تعالى الذي قدر على البدء، فهو قادر على الإعادة من جديد.
تضمنت الآيات الحديث عن خلق السماوات وما ينزل منها من ماءٍ يسكن في الأرض حتى تخرج الثمرات ويُنشأ الله به جنات من نخيل وأعناب وفواكه كثيرة يأكلها الناس، كما أشارت الآيات إلى الأنعام التي جعلها الله عبرة لتعدد منافعها، وفي جميع تلك الآيات الكونية دليل على وجود الله تعالى وتفرده بالخلق والوحدانية. من قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12}) إلى قوله تعالى : (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ {22}).
الإيمان بالرسل ومواقف أقوامهم منهم
ذكرت الآيات بعض قصص الأنبياء من أجل تسلية الرسول صلى الله عليه خصوصًا وأن السورة مكية، فكان الرسول بحاجة إلى الدعم المعنوي حتى يستطيع إبلاغ الدعوة والاستمرار في طريق الرسالة دون أن يتأثر بقلة عدد المؤمنين به أو بموقف المشركين المستهزئ بما يدعوهم إليه.
تناولت الآيات ما كان يلقاه نبي الله نوح عليه السلام من أذى وتكذيب من قومه. أكدت الآيات على تحقق وعد الله بنصرة نوح عليه السلام حيث جاءه الوحي من الله تعالى بأنه يصنع الفلك ويسلك فيه من كل زوجين اثنين وينجو هو ومن معه، بينما حاق الهلاك بكل من كذب به.
انتقلت الآيات لتذكر قصة نبي الله هود وإنكار قوم عاد لرسالته فأخذتهم الصيحة بالحق مع الريح التي أهلكهم الله تعالى بها فماتوا عن آخرهم وصاروا هلكى مثلهم مثل غثاء السيل كما بينت الآيات عاقبة الجحود والتكذيب عندما ذكرت قصة موسى وأخيه هارون مع فرعون. واخُتتم هذا الجزء من السورة بالتأكيد على أن الإيمان واحد مهما تعددت الشرائع وأن الله تعالى هو وحده المستحق للعبادة والتقوى. من قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ {23}) إلى قوله تعالى : (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ {52}).
تفرق الأمم بعد رسلهم
تناولت الآيات بعد ذلك قضية تفرق الأمم بعد رسلهم، حيث أصر كل فريق من الفرق على صحة إيمانه واعتقاده، وقد طلبت الآيات من الرسول أن يدع كل فريق في غمرتهم حتى يأتي أمر الله تعالى.
كما عرضت السورة موقف كفار مكة وعنادهم ومكابرتهم للحق وتفرقهم واختلافهم حول الرسالة، وذلك ليجتنب الإنسان طرق أهل الضلال ويسارع بتدبر القول والوصول إلى الإيمان قبل فوات الآوان. من قوله تعالى : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ {53}) إلى قوله تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ {74}).
مظاهر قدرة الله تعالى
أقامت الآيات الأدلة على قدرة الله تعالى بعدما تحدثت عن إعراض المشركين بسبب عنادهم، ويُفهم من ذلك أن الله تعالى سوف يُحاسب المشركين والكافرين به أشد العذاب، فهو الذي أنشأ السمع والأبصار والأفئدة وهو الذي هيأ الأرض للناس لكي يسكنوها، كما أن الله تعالى قادر على الإحياء والإماتة فلا مجال للتكذيب والشك في البعث وقيام الساعة. من قوله تعالى : (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {75}) إلى قوله تعالى: (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ {98}).
من مشاهد يوم القيامة
خُتمت سورة المؤمنون بالحديث عن بعض المشاهد التي تقع يوم القيامة مثل حال العصاة وتمنيهم العودة لعمل الخير ولكن لا سبيل إلى ذلك بعد نفخ الصور، حيث تقطعت الأنساب واقتصرت طرق الجزاء في حساب كل إنسان على ما كان يعمل في الدنيا، فمن ثقلت موازينه فهو من المفلحين، بينما من خفت موازينه فقد خسر نفسه ومصيره إلى جهنم خالدًا فيها، ثم انتقلت الآيات لتوضيح جزاء المؤمنين وفوزهم برضوان الله تعالى وذلك بهدف الدعوة للتوبة قبل انقضاء الأجل. من قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99}) إلى قوله تعالى : (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ {118}).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة الإسراء
لطائف سورة المؤمنون
جاء في سورة المؤمنون: {ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}، بينما في سورة الزّمر: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}. وعند التفكّر بمعنى هاتين الآيتين الكريمتين سيتبادر إلى الأذهان سؤال: لم قال الله -تعالى- في آية المؤمنون {لَمَيِّتُونَ} وفي سورة الزمر {مَّيِّتُونَ}؟
والإجابة على هذا السّؤال كالتّالي: لقد أكّد الله -تعالى- الموت في آية سورة المؤمنون باستخدام إن واللام، أما في آية سورة الزّمر فقد أكّد بإنّ وحدها؛ ذلك لأن سورة المؤمنون تمّ تكرار ذكر الموت فيها في عدة مواضع، مع تعدد صوره وأحواله، بخلاف ذلك في سورة الزّمر حيث ذكر مصير قوم نوحٍ في سورة المؤمنون أنّهم سيموتون غرقًا حين قال: {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}، ثم قال بعدها: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ} {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} كما قال: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، إلى آخر آيات ذكر الموت الواردة في سورة المؤمنون حيث يُلاحظ هنا ذكر الموت في هذه السورة عشر مرات، أما في سورة الزمر فجرى ذكره مرتين فقط.
ومن ناحيةٍ أخرى إنه لما كثر الكلام عن الموت في سورة المؤمنون كان لا بد من إكثار تأكيده في الآية فكان ذلك في حرفين، ولما قل الكلام عن الموت في سورة الزمر اقتضى ذلك تقليل حروف التوكيد، وهكذا نجد أن كل تعبير كان مناسبًا لموطنه.
اقرأ أيضًا: أسباب نزول سورة المؤمنون